يظل سؤال الهوية على مستوى الفرد أو الجماعة واحداً من أخطر وأهم الأسئلة التى تؤرق البشر، إذ يمكن أن تتحول إجابته الملتبسة أوالغامضة لأزمة وجودية تغيب الأهداف وتضلل الرؤى، فتتضارب مفاهيم الولاء والانتماء بل وربما تتأكل. ويصبح الأمر أكثر خطورة وإلحاحا فى أوقات الأزمات، ففى مطلع القرن الماضى إبان الانفصال عن الخلافة العثمانية ظهرت مسألة الهوية وباتت قضية ملحة فى عشرينيات وثلاثينيات ذلك القرن مع سعى المصريين الحثيث للتخلص من نير الاحتلال البريطانى وإرساء قواعد الدولة. وعقب نكسة 67 وتزايد موجات الهجرة للدول النفطية فى السبعينيات عاد سؤال الهوية ليطل برأسه على استحياء، ثم بجلاء ووضوح خلال العقدين الماضيين عندما أصبحت الهجرة للخارج حلماً و هدفاً. والحقيقة أن سؤال الهوية لا يطرح نفسه فقط على مستوى إدراك الفرد أوالجماعة للذات بل أيضا على مستوى صورة الهوية التى يرسمها الآخر لأى جماعة، والذى عادة ما يتم التكريس والترويج له من خلال وسائل الاعلام خاصة التقليدية منها. من هنا تتمثل اهمية دراسة «خطاب بالهوية فى مواقع الصحف الدولية» التى تقدمت بها الباحثة فداء محمد عبدالعزيز لنيل دراسة الدكتواره فى الإعلام، والتى قدمت فيها دراسة تحليلية للمواد المتعلقة بالهوية فى قسمى الرياضة والحوادث فى عدد من الصحف الدولية. وفى البداية اوضحت الباحثة أهمية الدور الذى تؤديه الصحافة فى بناء الهوية والعوامل المؤثرة فى هذا الدور، مشيرة إلى أن بناء الهويات من خلال الصحافة من أهم الأدوات لتوجيه الجمهور، فمن خلالها يتم تمرير القيم المجتمعية المختلفة للجمهور بشكل غير مباشر، وأن تشويه وتحريف الهويات فى الخطاب الإخبارى يؤثر على رأى الجمهور فى الآخر وتصوره للمجتمعات التى يمثلها. ولقد لاحظت الباحثة أن الخطاب الإخبارى فى تقديمه للهويات المختلفة للرياضيين والمجرمين قد يقع فى فخ التحيز ويركز على جوانب معينة من الهويات ويهمل أخرى، مما يؤدى لتكريس قيم سلبية أو ايجابية تجاه هويات بعينها. فعندما يتم تقديم هوية بطل الحدث بطريقة تتغاضى عن التفاصيل السلبية والتركيز على الإيجابيات فقط، يبدأ الجمهور تدريجيا فى قبول تلك السلبيات ولا يعتبرها سلوكيات منحرفة، وتدلل على ذلك بقضية العالمى مايكل فيلبس الذى اتهم باستخدام الماريجوانا. فبتحليل المادة الاخبارية التى تناولت الواقعة فى الصحف محل البحث لاحظت الباحثة أن صورة هوية السباح العالمى التى كرست لها الصحافة بصورة ايجابية لعبت دورها فى التأثير على رأى الجمهور وربما تقبله لهذا الفعل الإجرامى!! . .وهنا تشير د. فداء عبدالعزيز إلى أن أداء الصحافة قد يصل إلى المغالطة وقلب الموازين للدرجة التى تصور الايجابيات سلبيا، والعكس صحيح !! وتوضح الباحثة أن عملية تقديم الصحافة للهويات سلبيا أو ايجابيا ترتبط عادة بتقسيم الهوية، توضح الدراسة أن هناك صلة غير مباشرة بين إيديولوجية الصحف والقرار المتخذ لتناول اى قضية وهويات ابطاله، أن الصورة السلبية للهويات العرقية غالبا ما تؤثر على شكل التغطية الإخبارية خاصة عندما يكون المشتبه به فى الجريمة أو الهجوم مسلما أوترجع أصوله إلى إحدى الدول الإسلامية، وتستشهد بتناول الصحف حادثين ارهابيين فى الشرق الأوسط، ومانهاتن. ولقد أرجعت الباحثة ذلك إلى الأيديولوجيا السلبية التى تبثها بعض الصحف تجاه الشرق الاوسط مما أدى إلى توجيه رسالة غير مباشرة فى نهاية التغطية الاخبارية فحواها مصر بلد غير آمن فى مقابل تأكيد سلامة البلاد وامنها رغم هجوم مانهاتن!!. والحقيقة ان الدراسة القيمة التى قدمتها الباحثة تكشف كثيرا من الحقائق ليس فقط حول المؤثرات التى تشكل المنتج الاخبارى فى عدد من الصحف العالمية بل أيضا تضعنا أمام مسئوليتنا لمواجهة مشكلة استمرار التكريس سلبيا لهويات بعينها، مع الأسف نحن من بينها !!، الامر الذى يتطلب من جميع المؤسسات والجهات الرسمية والشعبية التفاعل بأسلوب مختلف مع وسائل الإعلام بالخارج، فهل نتحرك؟ّ! لمزيد من مقالات سناء صليحة