* مسلمو ماليزيا وإندونيسيا يصلون التراويح بالقرآن كاملا ولا يعرفون حرفا من العربية بلغة بسيطة ونفس منشرحة تحدث إلينا إمام الفقه المالكى الدكتور أحمد طه ريان عضو هيئة كبار العلماء والمشرف على أكبر موسوعتين فى الفقه . فتجولنا معه من حيث نشأته بقرنة بالأقصر ليروي قصة كفاحه منذ نزوحه للدراسة بالقاهرة إلى أن حقق أمنية والده المزارع فى أن يكون «شيخ عمود».. في مسجد النصر بمدينة المطرية بالقاهرة حيث كان اللقاء أدهشتنا المساحة الشاسعة التي يشغلها المسجد والنشاط الذي تقوم الجمعية الملحقة به، فتبسم الشيخ وقال: لا تتعجب فلهذا المسجد قصة عجيبة لابد أن تسمعها لترى آية من آيات الله.. كنا نسكن فى هذه المنطقة منذ أربعين سنة، وكان هناك مسجد صغير مساحته 21 مترا، فحدثت مشكلة بين صاحب المسجد وأحد المصلين، فأمسك صاحب المسجد «الحصر» التى نصلى عليها وألقاها فى الشارع.. فقلت لهم افترشوا الحصر فى هذه الأرض الفضاء، وبعدما صلينا المغرب أخذنا نحكى فيما بيننا أين نصلى، فمر بنا الحاج عفيفى وهو أحد التجار الطيبين، فسألنا مالكم مشغولين ولم الحصر هنا؟ فقلنا له حصل كذا وكذا، فقال إن معى خمسين جنيها كنت أنوى التبرع بها لمسجد عليش فخذوا المبلغ لتسوروا مكان مصلاكم، وفى الصباح وأنا ذاهب إلى الكلية، وكنت معيدا وقتها، رأيت الحاج عفيفى يحد بالجير قطعة أرض مساحتها 460 مترا، فقلت له إننا نريد مائة متر لا أكثر، فقال لى «وسع بيتك والعمار على الله» وتركته وذهبت إلى الكلية وكان يوم الثلاثاء، وقال لى الحاج عفيفى قبل أن أنصرف إن شاء الله نصلى الجمعة فى المسجد الجديد، وبالفعل يوم الجمعة صلينا فى هذا المكان.. بعدها علمنا أن هذه الأرض ملك الدولة، فذهبنا إلى المحافظة.. وبعد عام ونصف وافقت المحافظة على إعطائنا ألف متر للمسجد، وبدأنا نعمل جمعية خيرية، فابتنينا المسجد وبعض المبانى الملحقة به، وسافرت أنا فى إعارة لمدة أربع سنوات، فلما جئت علمت أن الناس ضموا إلى الألف متر التى حصلنا عليها من المحافظة ألفى متر أخرى، فأصبح المسجد والجمعية الخيرية على مساحة ثلاثة آلاف متر، وانضم المسجد لوزارة الأوقاف وخصصوا لنا إماما للمسجد، فصار مسجد النصر وجمعية عمر الفاروق من أعظم وأكبر المساجد فى المطرية.. فلو لم يلق صاحب المسجد الصغير الحصر فى الشارع لما كان هذا المسجد الكبير قائما الآن (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ). هذا الجانب الروحى وغلبته علي الشيخ طه ريان يعود إلي تتلمذه علي يد الشيخ محمد الطيب الحسانى والد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ولازمه بعد ذلك بحرصه علي الدرس الأسبوعي بمسجد الشيخ الدردير، فقال: الشيخ الدردير صاحب الطريقة الخلوتية التى يتبعها فضيلة الإمام الأكبر وللدردير أوراد فى الطريقة، وكنا ونحن صغار نقرأ هذه الأوراد مع الشيخ محمد الطيب فى قرنة بالأقصر، فلما جئنا الأزهر وجدنا «الشرح الصغير»، وفى الثانوية جاءنا أيضا «فقه الشيخ الدردير»، وفى الكلية وجدنا «الشرح الكبير»، فالاتصال مستمر بين الشيخ الطيب والشيخ الدردير فأصبحنا بينهما: الشيخ الطيب فى الذكر والشيخ الدردير فى الفقه، فخلال كل هذه المراحل ونحن بين هذين العمودين، وحتى الآن درسنا أسبوعيا فى الشيخ الدردير. «أحمد ريان فرقة إنقاذ» وعن بدايات انتقاله إلي القاهرة قال إمام الفقه المالكي: زوجنى والدى وعندى 19 سنة، وأنجبت ولدا أسميناه «محمداً» وأنا فى الثانوية الأزهرية، ثم التحقت بالكلية فى القاهرة، فقلت لوالدى اكفل لى زوجى وابنى، وسألتحق أنا بالكلية فى الأزهر وأعمل بجانب الدراسة.. وبالفعل وفقنى الله إلى أن أعمل فى مصنع للبلاستيك يملكه حسن عبدالوهاب أخو فطين عبدالوهاب، وكان أجرى فى اليوم 25 قرشا وكل بضعة أشهر كان يزيد فى راتبى خمسة قروش حتى أصبح مرتبى 42 قرشا يعنى فى الشهر 10 جنيهات ونصف، فأرسلت للوالد فى البلد أن أرسل لى الزوجة والولد فقد وسع على ربنا وصار مرتبى عشرة جنيهات ونصف فى الشهر، فلما جاءا إلى القاهرة استأجرت حجرة قريبة من المصنع، وبعد ذلك انتقلت للعمل فى المخابز بمصر الجديدة، وبعد ستة أشهر من عملى فى المخابز أتى شخص مسيحى اسمه لطيف يوسف، فنقلنى من مصر الجديدة إلى الوايلى فاشتغلت فى أحد المخابز الخاسرة وبعد خمسة عشر يوما صار المخبز يكسب مكسبا كبيرا، فنقلنى إلى مخبز آخر فى دير الملاك فتغير حال المخبز من الخسارة إلى المكسب كما حدث فى مخبز الوايلى، فنقلنى إلى مخبز ثالث خاسر فى المطرية.. وبعد أربعين يوما فى العمل مع لطيف يوسف أطلق على «أحمد ريان فرقة إنقاذ»، ولم أفعل أكثر من الحضور مبكرا ومتابعة عملى بإتقان وإخلاص. وكان عملى فى كل هذه الأشغال وأنا على اتصال بالكلية، فكنت أعمل وأستذكر دروسى فى الكلية وأحصل على تقديرات عالية طوال السنوات الخمس التى قضيتها فى الكلية، ومن ثم أصبحت معيدا فى كلية الشريعة وتركت المخابز، بعدما فتح الله علينا بالتدريس والإعارة للخارج، فذهبت إلى عدد من البلدان، منها كوبنهاجن فى الدنمرك وباكستان وإندونيسيا والهند وبنجلاديش ونيجيريا وأمريكا، وغيرها. وقال إن المسلمين في إندونيسيا وماليزيا يصلون التراويح بختمة القرآن كاملة، والعجب كل العجب كيف يحفظ هؤلاء القرآن، فقد صليت هناك التراويح وراء أحد شيوخهم فختم القرآن فى صلاة التراويح، وكانت لى ندوة بعد الصلاة فسألت الإمام الذى ختم القرآن فى صلاة التراويح عن اسمه فلم يستطع أن يجيبنى، فتعجبت كيف يحفظ القرآن هذا الحفظ المتقن ولا يعرف شيئا عن اللغة العربية. وهم من أشد الناس استمساكا بالعلم والعلماء، وهم على المذهب الحنفى، فألقيت عليهم حديثا يتعارض مع رأى أبى حنيفة، فقال لى أحدهم واسمه صلاح: ماذا أقول للإمام أبى حنيفة حينما ألقاه فى الآخرة؟ّ! فانفجرت ضاحكا وقلت له ألم تسأل نفسك إذا انتصرت لرأى أبى حنيفة دون حديث الرسول ماذا ستقول لنبيك وشفيعك فى الآخرة حينما يقول لك لم تركت العمل بسنتى؟! وعن صيام البلدان التى لا تشرق فيها الشمس، قال: هؤلاء إما أن يأخذوا بمواقيت مكةالمكرمة أو بتوقيت أقرب البلاد الإسلامية إليهم. أما البلاد التي فيها ليل حتى ولو ساعة واحدة فعليهم أن يلتزموا بغروب الشمس حسب وضعها الطبيعى، وقد كنا فى كوبنهاجن المغرب هناك الساعة العاشرة مساء والعشاء الساعة الثانية عشرة والصبح الساعة اثنين ونصف، فالليل كله أربع ساعات ونصف. «شيخ العمود» وعن سبب حرصه علي إلقاء الدرس الأسبوعي بالأزهر، قال إمام الفقه المالكي: والدى كانت لديه أمنية أن أكون شيخ عمود فى الأزهر، وفى أحد الأيام وهو فى القاهرة انتهز الفرصة وبعدما صلى فى الأزهر جلس يستمع إلى شيخ العمود، ولكن الشيخ صرفه وأبعده، ووقر فى نفسه من يومها أن الله إذا وهبه ولدا أن يجعله شيخ عمود، وها هى أمنيته قد حققها له الله فأنا ابن هذا المزارع الأمى أدرس فى الأزهر منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما ببركة دعاء الوالد، وأخى محمد أستاذ فى كلية التربية، وأنا عينت سنة 82 عميدا لكلية الشريعة بأسيوط، فقال محمد أخى لوالدى: ابسط يا عم لقد صار ابنك أحمد عميدا لكلية الشريعة. فقال الوالد: إنما كنت أريد أن يكون شيخ عمود! والحمد لله حقق الله أمنيته.