وقال قائل: «الدموع كائنات فضولية.. كلما حدث شيء مؤلم خرجت لتشاهد.....»، ولأن الفطرة لازمتنى مشوار الحياة، أصبحت ألبى نداء الدموع عند البشر، ولا أطيق الجلوس وراء الورق إلا لأفرغ شحنات تلك الكائنات الفضولية «الدموع» من على رصيف الحياة إلى من يهمه الأمر. ظللت على هذا الحال أنتقل من رصيف إلى آخر، حتى أصابنى الجفاف الدمعى، وتحولت الحكاية إلى حالة من العبث الساخر، كرد فعل طبيعى، وتطبيقا لمقولة «شر البلية ما يضحك»، ويبدو أن استهلاك الشيء ينهيه ويقضى على المخزون الإستراتيجى، فلم تعد وسائل التعبير عن الألم تكفيه. لكن يبدو أن الرصيف واحد فى كل مكان، محجوز دائما للبسطاء والغلابة، سواء كنت فى وطنك أو طلبت الرحيل مثلما فعلت إلى بلاد الهند والسند، وركبت الأفيال حتى وصلت إلى نيبال. فى إحدى جلسات الرصيف، نظرت على يمينى، وإذا بى أجلس بجانب هذا الفقير الهندى، متربعا على وضع اليوجا، ملت على الحاج أنور، مرشد الرحلة الهندى المسلم، الذى اضطر أن يرافقنى فى جلستى على الرصيف وسألته عما يفعله الفقير الهندى بجلسته التى رأيتها كثيرا فى كتب اليوجا و«الميديتشن»، فن التأمل وعلمه. وإذا بالحاج أنور يخرج عن وقاره ويؤنبنى بأننى أسبق جولة السياحة العلاجية المقررة فى برنامج الرحلة، موضحا أن ما أسميه بالفقير الهندى، هو أغنى رجل فى العالم! روحانيا! إنه يستطيع بجلسته تلك وتأمله أن يتصل بعلوم الطاقة المحيطة ويغذى «الشكرات»! التى تتمركز فى جسد الإنسان من قمة رأسه بلونها البلورى التى تتصل بالذات العليا، وعلى ما أظن أنه يريد أن يقول إنها تتصل بكل ما هو راقى وصوفى وخيوط من حرير تغزل من قمة رأسك إلى رحاب السموات ثم تهبط مراكز الطاقة إلى ما بين العينين أو الحاجبين وما يسمى بعين البصيرة التى تجذب اللون الأزرق الداكن، وعند التركيز عليها وطلب الطاقة الإيجابية فى هذا المكان يقوى لديك قوة العقل بالروح. وبدأ الحاج أنور يشير إلى الفقير الهندى بإصبعه، وكأنه تمثال لا يتحرك ولا يهتم، وركز على بداية حنجرته عند الترقوة، ويقول إنه مكان طاقة التعبير والحديث والرغبة فى الحكى والتعبير عن النفس والخطابة بلونه الفيروزى الذى يجذب طاقة التعبير ويغذيها. ومن مركز إلى مركز للدراسة، ويعلن ويفسر ويقول إن كل هذا سوف يخضع للدراسة عندما نذهب إلى مراكز الاستشفاء فى سفح جبال التبت والهيمالايا، بعيدا عن سياحة مشاهدة القمم الثلجية والتقاط الصور السياحية. وتركنى الحاج أنور وأنا أتابع الفقير الهندى الجالس مثلى على الرصيف وسؤالا معلقا: كنت دائمة الظن أن علم التأمل وامتصاص الطاقة الإيجابية لإشعال مراكز الحس الإنسانية، لا بد وأن يتم ومن حولك جبال وخضرة وطبيعة جميلة. لكن أن تجلس على الرصيف بين صفوف الغلابة والمساكين والمحتاجين ورائحة دموع العوز، فهذا ما لم أفهمه من الفقير أو الدرويش الهندى الذى جلس مثلى على الرصيف، لكن على ما أظن أن الفرق كبير، فهو يستمد القوة من شدة الضعف، وأنا أمارس فطرة الإحساس بالراحة بين البسطاء ولن أقول الفقراء... لأنهم يملكون ما لا نملك.. رضا الوصل مع السماء. لمزيد من مقالات دينا ريان