في تقرير نشرته دورية فورين بوليسي، السبت الماضي، تحت عنوان: الحرب العالمية على الإرهاب فشلت... هنا كيفية الفوز، جاء فيه أن الحرب ضد الإرهاب تدخل مرحلة الحرب الفكرية، بعد مرحلة الحرب العسكرية. واعتبر التقرير، أن استهداف الإرهابيين وشبكاتهم لن يحقق سوى نجاح مؤقت، لكن الإستراتيجية طويلة الأجل تحتاج إلى التركيز على تشويه سمعة الأيديولوجيات التي تجتذب المهاجمين. وأضاف التقرير: واحد من أسباب استمرار هذه الهجمات هو فشل الحرب العالمية التي تقودها الولاياتالمتحدة على الإرهاب، وذلك لأنها ركزت على القضاء عسكريا على الإرهابيين، وشبكاتهم، وليس على هزيمة أيديولوجية المتطرفين التي تلهم الهجمات الانتحارية في جميع أنحاء العالم. واستدل التقرير بالتفجيرات الإرهابية التي هزت سريلانكا قبل ثلاثة اسابيع، قائلا: يجب أن تذكرنا التفجيرات في سريلانكا في عيد الفصح الماضي أن الإرهاب ليس مدفوعا بالحرمان أو الجهل. وأيضا الهجوم على مقهى يرتاده الأجانب في عام 2016 في دكا، في بنجلاديش. نفذت مذبحة الكنائس في سريلانكا مجموعة من الأصوليين المتعلمين، من الأسر الغنية. كان اثنان من المجموعة من أبناء أحد أغنى رجال الأعمال في البلاد. وأضاف التقرير: يجب أن يتحول تركيز الحرب العالمية على الإرهاب إلى سحق أصحاب الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة. ويجب نشر حملة إعلامية متواصلة لتشويه أيديولوجية هؤلاء المتطرفين. وكما أشار إلى ذلك التقرير الأمريكي، في تحليلنا للظاهرة الإرهابية لابد وأن نأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعطيات أولها أن الإرهاب، عكس كل الصور النمطية، وليس مرتبطا لا بفقر ولا بجهل. فمنفذو تفجيرات سريلانكا التسعة، معظمهم ينتمون إلى عائلات ثرية ومن ذوي التعليم العالي. أما القائد والعقل المدبر فهو، كما أفصحت عن ذلك الحكومة السريلانكية، محمد زهران, شاب في أول الثلاثينيات من عمره، عرف بذكائه الحاد وتشدده في تفسير الآيات القرآنية منذ طفولته مما عرضه للطرد من مدرسته، ليسلك طريق التطرف والتفسير المتشدد للإسلام داخل أقلية مسلمة مهمشة، تمثل نسبة لا تتجاوز عشرة في المائة من سكان البلاد البالغ نحو 20 مليون نسمة. وقد استطاع محمد زهران، الذي بايع زعيم تنظيم داعش في وقت سابق، من نشر فكره المتشدد داخل طائفته المسلمة وخارجها ايضا، مستغلا في ذلك منبر الخطابة في المسجد الذي أسسه، ثم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حيث نشر مقاطع فيديو يدعو فيها إلى الجهاد ويهدد بسفك الدماء. واستطاع زهران تجنيد أبناء أثرياء البلد لتنفيذ عملياته التي خطط لها بمنتهى الدقة، لتسقط بذلك هذه التفجيرات الصورة النمطية التي تربط بين الفقر والإرهاب، بعدما بات جليا أن الإرهاب ظاهرة اعقد من كل الأحكام الجاهزة التي نتخيلها ونبني عليها تصوراتنا واستنتاجاتنا ومقارباتنا في المعالجة والمواجهة. لقد أظهرت تفجيرات سريلانكا، أن الإرهاب كفكرة يصعب ملاحقتها، فتنظيم داعش الذي انتهى جغرافيا لا يزال قادرا على إلهام الأفراد للقتل باسمه، وهذا سر قوته التي تعكس قدرته على تهديد متعدد المستويات يتخطى حدود أي منطقة يعمل فيها. وخريطة نشاط التنظيم وانتشاره تتوسع في مناطق وبلدان عديدة، من أفغانستان واليمن، إلى جنوب شرق آسيا، ووسط آسيا، الى منطقة الساحل والصحراء في إفريقيا، فالتنظيم في بحث دائم عن ساحة بديلة وإصرار متواصل على تعدد جبهاته وملاذاته. وإذا كانت أمريكا ستسعى في حربها الجديدة على الإرهاب على تتبع جذوره الأيديولوجية، وإن كانت هذه الحرب مفتوحة أيضا على الفشل، فلابد أولا من الاتفاق حول مفهوم موحد للإرهاب لتحديد وتصنيف الجماعات الإرهابية، والا سوف تكون هذه الحرب انتقائية تستجيب لسياسات أمريكا الابتزازية وليس للقضاء على الإرهاب كظاهرة عالمية، هذا من ناحية. من ناحية اخرى، يجب ألا تركز السياسات الامريكية فقط على الأعداء البارزين مثل تنظيم الدولة الإسلاميةّ والقاعدة وفروعهما المختلفة، لكن ايضا يجب أن تركز إستراتيجيتها ايضا على مواجهة كل روافد التطرف والإرهاب الايديولوجية، ضمنها حركات الاسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وما خرج من عباءتها من احزاب سياسية، تنتشر في المنطقة بمسميات مختلفة وتمارس نظام التقية. ويجب أيضا ملاحقة العديد من الجمعيات التي تمارس العمل الخيري، ظاهريا، بينما هي، في الباطن، تقوم بتمويل ورعاية الجماعات الإرهابية. وفي إطار حرب الأفكار هذه، على امريكا والعالم الاقتناع بدور القوة الناعمة في منع ومواجهة التطرف والإرهاب، وبالتالي عليهم تخصيص ذات الاهمية وذات الميزانيات, التي تتلقاها الحرب العسكرية والامنية, لحرب القوة الناعمة من أجل وقف تجنيد إرهابيين جدد. ولهذا الغرض تحديدا يجب ان يوجه العالم إستراتيجيته لمكافحة الإرهاب حول إزالة الاسباب والظروف المؤدية إلى اعتناق الفكر المتطرف (ومنها مسألة الهوية) وهذا ينطوي على عدة تكتيكات، بعضها يبدأ بكسر الصور النمطية الجاهزة للإرهاب، وإعادة انتاج تصورات أكثر التصاقا بالواقع. وأيضا القضاء على البيئات الحاضنة للإرهاب، وهنا مربط الفرس! لمزيد من مقالات وفاء صندى