العقل الإرهابى يتسم بالفكر الدينامى والحركى فى ابتكار هندساته العملياتية التى تتجاوز فى الغالب استراتيجيات مكافحة الإرهاب الأمنية، والأيديولوجية التى تلجأ إليها الدول للتعامل مع التنظيمات الإرهابية وأعضائها الفعليين، والرقميين وشبكاتها ومواقع بث أفكارها، وأساليب تجنيدها لعناصر جديدة ومحتملة. هذا النمط من الحيوية والخيال الإرهابي، يستمد تخييلاته من التطورات التقنية فائقة التطور، ومن التغيرات فى الخيال وأنماط السلوك الإجرامى المتغير وتوظيفاتها المختلفة فى ارتكاب الجرائم الاقتصادية والرقمية، وغيرها، والتى غالبًا ما تتجاوز أساليب المواجهة الأمنية للجريمة والمجرمين، وهو ما يكشف عنه ويؤكده تاريخ العلاقة ما بين التطور التقنى فى مجال الجريمة. شكلت حادثة تدمير برجى التجارة العالمى فى نيويورك أيقونة العمارة ما بعد الحداثية، وقوة الولاياتالمتحدة الاقتصادية- تعبيرًا استثنائيًا عن ذروة الخيال الإرهابى لتنظيم القاعدة، بعد عديد من العمليات النمطية التى استهدفت أهدافا صلبة - مبانى سفارات-، وناعمة مثل منتجعات سياحية، ومحطات قطار، وسيارات مفخخة، ثم تفجيرات بأحزمة ناسفة يحملها إرهابيون. تطور الفكر الإرهابى مع داعش من خلال احتلال أراض فى سوريا والعراق، بها مصادر للثروة والتمويل. استخدمت داعش العنف الوحشى لتحقيق الردع، من خلال الرقمنة فى الإعلام عن عملياتها داخل الأراضى التى تسيطر عليها ،أو العمليات الانتحارية خارجها. من ناحية أخرى صاغت أنماط جديدة من الفاعلين مثيل المنغمسين، داخل المواقع والجماعات المستهدفة، ثم الذئاب المنفردة، وهم عناصر تستلهم المحركات الأيديولوجيات للتوحش، ثم تقوم بعمليات إرهابية من خلال السيارات المفخخة، المعدة سلفًا أو التى تستخدم أسلوب القتل من خلال الدهس كما حدث فى نيس بفرنسا، وفى ألمانيا، وفى بريطانيا، على سبيل المثال. يبدو أن الذبح والدهس والطعن بالأسلحة البيضاء بات يشكل لجوءاً إلى أساليب الجريمة التقليدية فى تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، على نحو ما تم فى بريطانيا السبت الماضى وأسفر عن وقوع 7 قتلى و48 جريحًا، وهو الحادث الإرهابى الثالث بعد الأول فى 22 مارس الماضى. لوحظ أن لا علاقة تنظيمية بين منفذى العمليات الثلاث السابقة وفق تريزا ماى رئيسة الوزراء البريطانية، التى ذهبت إلى أننا نشهد اتجاهًا جديدًا فى التهديد الذى نواجهه، إذ إن الإرهاب يولد الإرهاب، وما يدفع هؤلاء لشن هجمات ليس فقط التحرك على أساس خطط مدبرة بعناية بعد سنوات من التخطيط والتدريب، وليس حتى العمل كمهاجمين منفردين تطرفوا عن طريق الإنترنت وإنما تقليد بعضهم البعض وغالبًا باستخدام وسائل هجوم بدائية. لا شك أن هذا النمط الجديد يتسم بالآتي: المحاكاة الإرهابية فى التخطيط.التقنيات البدائية فى التنفيذ.استخدام أهداف رخوة، وأماكن كثافة بشرية تتمثل فى سياح ومطاعم وحانات أو حفلات غنائية ... إلخ. عدم الانتماء التنظيمى لجماعة إسلامية راديكالية. الدافعية للإرهاب ذاتية وموضوعية، وتتخذ من التأويل الدينى سندًا يشرعنها كوسيلة احتجاج اجتماعى وثقافى إزاء المجتمع. إشاعة أقصى درجات الزعر والخوف والرعب الجماعي. هذا النمط الجديد من العمليات الإرهابية قابل للمحاكاة والتمدد فى أوروبا وأمريكا، وذلك لأسباب عديدة منها:- عدم فعالية وضعف سياسات الاندماج الداخلى للمجموعات الإسلامية والعربية فى النظام الاجتماعي، ومن ثم تهميش الأجيال الثانية والثالثة فى ضواحى جيتوهات المدن الكبري، مع انتشار البطالة وبعض السلوك الجانح بين بعضهم، فى ظل بعض من الانعكاسات السلبية لظاهرة الاسلاموفوبيا بين بعض الأوروبيين. انتشار الإحباط واليأس الفردى الذى يدفع بعضهم لمحاولة عقاب المجتمع، والانتقام من خلال تقليد العمليات الإرهابية واستهداف أعداد كبيرة من الضحايا وإيقاع خسائر ونشر الرعب. ضعف التنسيق الآمنى والاستخباراتى والبحثى عن النمط الجديد للإرهاب وعدم توقع أسبابه ومخرجاته وعملياته. فشل السياسة البريطانية التاريخية تجاه الإسلام السياسى وتوظيفه فى مواجهة الحركات القومية، وأداة ضاغطة على بعض الحكومات العربية وعلى رأسها المصرية. الإحباط الرمزى والفعلى من السردية الديمقراطية وجمود هياكلها ونخبها السياسية وصعوبة الصعود السياسى داخلها نحو مواقع قيادية. جاذبية السردية الإسلامية، الراديكالية، كأداة للتمرد والتعبير الهوياتي، وطابعها الكفاحى والتعبوي، ونمط تدينها المسلح إزاء المجتمعات الغربية الأكثر تطورًا. يبدو أن النمط الإرهابى الجديد لا يحتاج إلى تكوين أيديولوجى ودينى راسخ، وإنما تشكل بعضُ العمليات الإرهابية، وبعض منتجات السوق الدينى الرقمى العولمي، مادة للمحاكاة والتبرير الذاتى ليقين فردى يتسم بالاهتزاز والقلق ومفعم بالكراهية ودوافع الانتقام من واقع موضوعى ينتج الإقصاءات، والاستعلاء العرقى والثقافي، ومخيلة يحركها تاريخ أسود من الاستعمار والكراهية الدينية العمياء للآخر المختلف فى واقع عنيف، ويغشاه اليأس، وفقدان الأمل فى الخلاص الفردي لمزيد من مقالات نبيل عبد الفتاح