قبل اجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى الخارج وفى الداخل تابعت عددا من الحوارات الصريحة بين زملاء وأصدقاء وكانت فى معظمها تدور حول سؤال واحد: هل ستنشر النتائج الصحيحة لنتائج الاستفتاء بحيث تعترف بوجود معارضة ملحوظة للتغييرات؟ وكان رأيى بكل صراحة ووضوح أن الحكومة ستترك وراءها فكرة ال 99٫99% فى هذه المرحلة واتمنى ألا تعود إليها، أما فيما يخص نشر النتائج الفعلية للاستفتاء فلم اكن قد رسيت على رأى نهائي. كنت مترددة بسبب المقالب السياسية السابقة التى مررت بها منذ عام 1956 وهو العام الذى حصلت فيه المرأة المصرية على حقوقها السياسية كاملة وبالتالى بدأت ممارسة حقوقى السياسية وكنت قد سجلت اسمى فى كشوف الانتخابات. والذى لا يتذكره بنات وابناء الجيل الجديد من الناشطين فى مجال المرأة، ان الحقوق السياسية الممنوحة للمرأة المصرية حينذاك كانت اختيارية ولم تكن إجبارية، مما اكسبها قدرا من اللا مصداقية. واستمرت الحال على هذا المنوال إلى ان قادتنا الراحلتان السيدتان أمينة السعيد والدكتورة سهير القلماوى فى حملة ضغط على الدولة حتى تغير الوضع. وبالفعل تغير الوضع على يد السيدة جيهان السادات ووساطتها لدى الرئيس انور السادات. ومع ان الحق كان اختياريا فى عام 1956 إلا اننى لا أتذكر حملة انتخابية برلمانية او رئاسية أو استفتاء الا وقد ادليت فيه بصوتي. كنت ألح وألح وألح على رئيس لجنة التصويب حتى يفتح الدفاتر لكى ادلى بصوتي. حينئذ كنت اشعر بسعادة غامرة لأنى «هزمت الارادة السلبية للحكومة المصرية» او هكذا كنت افكر فى تجاربى الانتخابية. وحتى مع انتخابات نقابة الصحفيين، فلم تفتنى معركة انتخابية واحدة منذ انضممت للنقابة عام 1960 الا مرة واحدة كنت فيها خارج البلاد مع استمرار متابعتى لها من بعيد، وكان تغيبى لأسباب معروفة للجميع. وعودة لاستفتاء عام 2019، فقد سررت لأننا عبرنا خانة ال 99٫99% ودخلنا الى مرحلة الاعتراف بوجود معارضة صريحة واضحة لا تخاف ولا ترتجف. اعلن عن معارضة بلغت 2245280 صوتا بنسبة 11٫17% من المصوتين. أى كتلة لا بأس بها. وفى هذا الشأن لى عدة ملاحظات: منها أننا لم نمر منذ فترة طويلة وتحديدا منذ ثورة يوليو عام 1952 بفترة خرجت فيها اصوات جريئة تعلن صراحة انها ضد التعديلات، وتنشر رأيها بكل شفافية على صفحاتها فى وسائط الاتصال الاجتماعى دون ان تخاف من الفصل أو التحفظ الادارى أو الابتزاز. وقد عبرت هذه الاصوات بشكل جماعى او فردي. كانت مصممة على ألا تقاطع التصويت وإنما انصبت ارادتها على رفض التعديلات أو بعضها. المهم اننا تابعنا ظاهرة جديدة نحيى الجميع عليها. ومنها ان الهيئة الوطنية للانتخابات قد نشرت الارقام دون ان تخفيها. بما يشير إلى أن المعارضة موجودة وهى ليست خافية وتمارس حقها فى إبداء الرأي، الأمر الذى هو جزء من الحقوق العامة. ومنها أننا يمكننا القول بأن هذه الظاهرة التى هى إعلان المعارضة عن نفسها ثم اعتراف الحكومة بها تعبر بكل صراحة ووضوح عن ان المصريين يقفون صفا واحدا ضد الارهاب، الذى نادت عناصره بالمقاطعة، ولكنهم يختلفون على السياسات الداخلية، على كلها او بعضها. وهى حقيقة تبرز التوجه الجيد لمسيرة البلاد. نقف متوحدين ضد العدو الارهابى وإن اختلفنا على بعض السياسات الداخلية. حقيقة صحية ومفيدة للتقدم، واشترك فى رسمها النظام السياسى وبنفس القدر تلك الصفوة السياسية المعارضة. وتنبع أهمية هذه الحقيقة من أن تفاعل الآراء المتباينة كفيل بفرز أفضل القرارات. ومنها اننا إذا اعترفنا بأن هذه هى الحقيقة، اى التوحد ضد الارهاب والتباين حول السياسات الداخلية، فإننا امام مطلبين اثنين، الاول من الحكومة والمطلوب منها الآن ان تبحث عن توجهات ومواقع المعارضة هذه ودراسة اسباب موقفها هذا من خلال حوار مجتمعي. والمطلب الثانى يخص هذا الرقم الذى هو من وجهة نظرى يمثل جانبا حقيقيا من الصفوة السياسية المصرية التى استمرت متواضعة العدد لعقود وعقود زمنية ولكنها استمرت كذلك مؤثرة بحيث لا يمكن تجاهلها او تجاهل توجهاتها الفكرية. وعلى تلك الصفوة السياسية ان تتعامل مع هذا الرقم الذى يقترب من الملايين الثلاثة بجدية ودون ان تتفاخر به، لأنه فى حقيقة الأمر عدد كبير ولكن هلامى يعمل كل فرد فيه بشكل فردي، كما أن عددا من هذا الرقم تعودوا على النضال على صفحات الفيس بوك دون أن يتمرسوا النضال الحقيقى فى الأحزاب أو فى النقابات أو حتى فى منظمات المجتمع المدني. عرفتنا هذه الصفوة السياسية المصرية منذ 25 يناير 2011 انها تختلف مع النظام دون أن تحدد لنا ماذا تريد على وجه التحديد. والمهم ان تحدد ما تريده فى شكل مؤسسى وليس فى شكل مطالب متفرقة وهو ما يحتاج منها ان تقوم بعمل ما لم تفعله الشرائح القديمة من الصفوة المصرية. وهو فتح الحوار مع نفسها ومع الآخرين دون اقصاء او تخوين او ابتزاز او تكفير، وبذلك تجرى حوارا نتعلم منه أهمية واساليب التحاور والتفاوض والوصول الى الاتفاق والتوافق حول المشترك المهم للمرحلة السياسية الحالية. وأعتقد يقينا انه عمل فى غاية الصعوبة لأن الصفوة السياسية المصرية لم تتعود على الاتفاق المؤسسي. لمزيد من مقالات أمينة شفيق