اهنئكم أيها الأحباء بعيد القيامة المجيد وأرجو لكم افراح القيامة فى حياتكم وكل ماتمتد اليه اياديكم، لقد احتفلنا بالأيام الثلاثة الاخيرة التى تشمل الجمعة والسبت والأحد.. وهى الايام التى غيرت المفاهيم فى حياة البشر، فبعد أن كان الصليب فى مفاهيم العهد القديم عاراً وعقاباً وقسوة والماً وموتاً، صار مجداً ورحمة وأملاً وفرحاً وحياة. وخلال هذه الايام الثلاثة ومن واقع التاريخ وأحداثه اختلطت المشاعر الكثيرة، فكان يوم الجمعة هو يوم الصليب حيث الصراخ والعويل والموت.. ثم جاء يوم السبت وفيه مشاعر الخوف والقلق والأمل والانتظار ثم جاء يوم الاحد بمشاعر الفرح والبهجة والأمان والسلام لكل النفوس. والقديس بولس الرسول آخر تلاميذ السيد المسيح وهو اللاهوتى والفيلسوف القدير وله 14 رسالة بين أسفار العهد الجديد تحدث فى مواضع عديدة عن الصليب والقيامة، ولكنه فى الإصحاح الثالث عشر من رسالته الاولى الى اهل كورنثوس كتب أنشودة المحبة وصارت كلماته أفضل ما قيل عن المحبة، وختم هذا الاصحاح بعبارة مدهشة اذ قال.. أما الآن فيثبت الايمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة (1 كورنثوس 13:13). وتندهش معى عزيزى القاريء عندما تعلم أن هذه الثلاثة هى أيام الجمعة والسبت والاحد بأحداثها ومعانيها كما سأشرح لك. أولاَ : يوم الجمعة ( يوم الصليب) يوم الايمان: كان يوم الجمعة يوم الصليب المقدس يوماَ مشحوناَ للغاية بدأ فى الفجر بست محاكمات للسيد المسيح، ثلاث منها دينية وثلاث مدنية: امام رئيس الكهنة حنان وقيافا. امام رؤساء الكهنة بتهمة التجديف. امام السنهدريم وهى جلسة قانونية. امام بيلاطس البنطى والى اليهودية. امام هيروديس الوالي. امام بيلاطس الوالى مرة أخرى وبعدها غسل يديه وفى منتهى السلبية قال: انى بريء من دم هذا البار، وأصدر الحكم بإطلاق باراباس المجرم ( مت 27 : 24) ثم توالت الاحداث المؤلمة فى ذلك اليوم والتى انتهت بصلب السيد المسيح بين لصين على جبل الجلجثة ( لوقا 23: 33 ) فى اورشليم وقد نطق بسبع عبارات وهو مصلوب، قال فى اولها: يا ابتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لوقا 23 : 34) وفى آخرها قال قد أكمل (يوحنا 19: 30) يا أبتاه فى يديك أستودع روحى (لوقا 23 : 46). والعجيب أن داود النبى وقبل المسيح بألف عام يرسم بالكلمات فى أحد مزاميره (المزمور103) صورة الصليب وعمله فى البشر إذ قال: لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا (وهذه فلسفة عمل الصليب وخلاص المسيح لنا) لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه (وهذه هى العارضة الرأسية فى الصليب: الرحمة) وكبعد المشرق من المغرب، أبعد عنا معاصينا (وهذه هى العارضة الأفقية فى الصليب: الغفران) (مزمور 103: 10 12). هذا هو يوم الإيمان حيث أساس المسيحية وحيث الصليب هو الصيغة الموجزة لكل عقائدنا ولكل مسيحيتنا. والإيمان بالصليب يعنى الإيمان بالمسيح المصلوب مخلصا للإنسان من الخطية وماسحا تبعات الخطية التى تحرم الإنسان من مكانه فى السماء حيث الحياة الأبدية. إننا نعيش الإيمان على الأرض، أما فى السماء فلن يكون للإيمان دور لأننا وقتها سنحيا بالعيان. ثانيا : يوم السبت (يوم القبر) يوم الرجاء: كان السبت يوم عطلة دينية ورسمية عند اليهود لا يصنع فيها أى عمل. وعندما تم إنزال جسد المسيح من على الصليب نهاية يوم الجمعة، تقدم يوسف الرامى (وهو شخص مقتدر) إلى بيلاطس الوالى ليطلب جسد المسيح، فوافق بينما أحضر نيقوديموس (معلم يهودى كبير) متطلبات التكفين. وتم دفن المسيح فى قبر جديد منحوت فى صخرة داخل بستان مملوك ليوسف الرامى بالقرب من مكان الصلب مما ساعد على إنهاء إجراءات التكفين والدفن بسرعة قبل حلول يوم السبت (يوحنا 19 : 38 43). كان هذا يوم الرجاء إذ بعد أحداث يوم الجمعة المؤلمة اعتادت الكنيسة أن تسهر ليلة أبو غلمسيس (سفر الرؤيا) وفى هذه الليلة يكون السهر مع التسابيح والألحان وقراءة سفر الرؤيا (آخر أسفار الكتاب المقدس) ثم صلاة القداس. والمعنى الرمزى وراء ذلك أننا ندخل الكنيسة ليلا حيث الظلام، ونبقى فى الصلوات، ونخرج مع بداية النهار ونور اليوم الجديد. وهذا معنى الرجاء الذى يعيشه الإنسان بالأمل والانتظار والفكر الإيجابى بعيدا عن اليأس أو الإحباط من الأحداث والضيقات. الرجاء يكون على الأرض، أما فى السماء فسوف تتحقق كل الآمال التى كنا نحياها وبالتالى لا يكون للرجاء مكان فى السماء. ثالثا : يوم الأحد (يوم القيامة) يوم المحبة: فى فجر يوم الأحد قام المسيح باكرا حيث أتت مريم المجدلية ووجدت القبر فارغا (يوحنا 20 : 1) ثم أتى الرسولان بطرس ويوحنا (يوحنا 20 : 3) وصارت القيامة هى منبع الفرح للتلاميذ، لأن جوهر الله الأعمق هو المحبة، والمحبة هى أعمق، مايفرح قلب الإنسان «ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب» (يوحنا 20 : 20). الفرح إحساس بالرضا الذى يسود النفس البشرية التى تتذوق قيامة المسيح. وعندما يستقر الفرح، فرح القيامة، فى القلب، تنبع منه حياة المحبة لكل أحد وتتحول هذه المحبة إلى خدمة كل إنسان وكل الإنسان. وقد قال السيد المسيح فى الليلة السابقة لصلبه: كلمتكم بهذا لكى يثبت فرحى فيكم ويكمل فرحكم (يوحنا 15 : 11). إن محبة الله الفياضة لنا نحن البشر جعلته يصلب ويتألم ويموت ويقوم من أجلنا ويملأنا فرحا ونعيما. القيامة هى المحبة الإلهية التى تفيض سعادة وفرحا فى حياة البشر. والمحبة لن تزول أبدا ودائما فى القلب على الأرض وأيضا فى السماء فالله محبة وفى الأبدية لا نبلغ نهاية محبة الله، وإنما نبلغ إلى أقصى درجة فى استيعابنا لهذه المحبة. بمعنى آخر أن هذه الثلاثة، الإيمان والرجاء والمحبة، ستكون على الأرض فقط ما عدا المحبة التى تمتد معنا إلى السماء. إنها الأعظم. وهكذا القيامة هى حدث المسيحية الأعظم وركيزة أفراحنا وأعيادنا. ولأن العالم يعانى جوعا حقيقيا من المحبة، حاول أن يسدد جوعه فى المال أو السلطة أو الجمال أو الأخلاق أو العلم أو الفلسفة أو الفن...الخ، ولكنه لم يفلح، بل ظل يعانى قلقا واضطرابا واكتئابا. وصار إلى متاهات الإلحاد ونسى القيامة الدواء الأعظم الذى عندما يستوعبه ويعيشه يجد فرحا حقيقيا وسعادة لا تنتهي. لقد عبرت الأم تريزا عن حال العالم البعيد عن المحبة وفرحة القيامة بقولها: لقد كبرت المنازل وصغرت الأسر، تطور الطب وزادت الأمراض، زادت الأموال وقلت الصدقات، وجد الأمن وتلاشت راحة البال، زادت المعرفة وقلت الحكمة، كثر الأصدقاء الافتراضيون (على شبكات التواصل الاجتماعي) واختفى الحقيقيون، تنوعت الساعات وقلت قيمة الوقت، كثر البشر وفقدت الإنسانية. بدون القيامة ما كانت مسيحية ولا عبادة ولا إنجيل ولا عقيدة ولا كنيسة. وبدون المحبة التى زرعتها القيامة فينا لا تكون هناك خدمة ولا رحمة ولا سعادة ولا إيمان. إذ نشكر الله الذى أعطانا أن نفرح بالقيامة المجيدة ونعيد هذه الأعياد السعيدة، فإننا نصلى من أجل بلادنا المحبوبة مصر ومن أجل سلامها وتقدمها، كما نصلى من أجل قادتها فى كل المستويات وفى المقدمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى وأبطال القوات المسلحة والشرطة الوطنية وسائر المسئولين. كما نرفع صلاة خاصة من أجل الشهداء فى كل مكان ليعزى الله أسرهم وأوطانهم كما نطلب الشفاء للمجروحين والمصابين والمتعبين فى كل مكان وأن يهب الله سلامه بين ربوع البشر وكل قيامة وجميعكم بخير. لمزيد من مقالات البابا تواضروس الثانى