أهمية انتقاد الرئيس الفرنسى ماكرون للإسلام السياسى وجماعات العنف المنتمية إليه فى بلاده، الخميس الماضى، أنه لم يكن يتحدث كرد فعل انفعالى على عملية إرهابية مفاجئة، وإنما فى سياق شامل عن إصلاحات تُعِدّها إدارته بهدوء فى عدة مجالات فى مناحى الحياة المختلفة فى فرنسا، تلبية لتظاهرات الاحتجاج المدوية المستمرة فى عموم البلاد منذ ديسمبر الماضى. وقد اتفق كثيرون على أن هذا يأتى فى إطار تدعيم الاختيار الأساسى لفرنسا الذى صيغ فى قانون منذ العام 1905، والذى ينصّ على الفصل بين الكنيسة والدولة بإنشاء جمهورية عَلْمانية، واتساقاً مع العمل على إجراء مشاورات منذ العام الماضى مع ممثلى الديانات للاتفاق النهائى على مشروع لتعديل هذا القانون بهدف زيادة الشفافية فى تمويل دور العبادة، وكذلك ضمان احترام القانون والنظام العام. من أهم الانتقادات التى طرحها ماكرون لتيار الإسلام السياسى أنه يسعى إلى الانعزال عن المجتمع، وأن هذا ترسخ فى بعض الأحيان، واعترف بأن الدولة تخلت أو أنها لم تفِ بوعودها، وأكدّ فى هذه النقطة بالذات، أنه طلب من الحكومة ألا تُبدِى تهاوناً. والملاحَظ أن الدولة الفرنسية قد أظهرت بالفعل جديتها فى إنفاذ القانون فى الفترة الأخيرة، بإغلاق بعض المدارس والمؤسسات الثقافية التى لا تحترم قوانين الجمهورية وقواعد النظام العام فى محارَبة الإرهاب. سوف تُسفِر تطورات الأحداث فى المستقبل القريب عن أى اتجاه سوف يتصدر المشهد: إما مقاومة المتطرفين الإسلاميين فى رفض الاستجابة لنداء ماكرون، بحجتهم الجاهزة عن خصوصيتهم التى يستنكرون أن يتدخل فيها أحد. وإما إصرار الدولة الفرنسية على تطبيق القانون بحسم، وهو ما ينطوى على احتمالات بمزيد من التصعيد والاستقطاب، وهى أوضاع تطال ضحايا من أغلبية المسلمين فى فرنسا غير الراغبين فى العراك، والذين تجاوزت أعدادهم خمسة ملايين من إجمالى السكان الذى يبلغ 67 مليون نسمة. وهذه كلها احتمالات تُرضِى اليمين العنصرى الفرنسى الرافض من ناحية المبدأ استقبال المهاجرين المسلمين، والداعى إلى التخلص منهم، حتى أن هنالك اقتراحات بإسقاط الجنسية عنهم بأى وسيلة. لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب