تعود العوام وبعض المثقفين (الجهلة) فى مصر أن يسحبوا الإسلام إلى مواجهة (نقيضية) مع فكرة العلمانية.. وتجاهل هؤلاء معرفة أن هناك علمانيات مؤمنة، كما أن هناك علمانيات ملحدة، وأصبح طرح كلمة إسلام أو كلمة علمانية ينادى فورا أنصار الجانبين للاحتشاد كل فى مواجهة الآخر, ولكننا لم نحاول أبدا مناقشة فكرة (الإسلام فى إطار العلمانية) بمعنى عدم (تديين) الدولة، وإنما التوفيق بين علمانية أو مدنية الدولة من جانب آخر، بعبارة أخرى أن تكون مرجعية الدولة هى الدستور وليست المرجعية الدينية ذات القداسة التى تهيمن على كل قرارات وتوجهات الدولة وفقا لتفسيرات بعينها يتبناها من يرون فى أنفسهم المختصين فى الشأن الدينى.. ومن هنا تحتل العملية التى يقوم بها الرئيس الفرنسى الحالى إيمانويل ماكرون لمحاولة تضمين الإسلام فى بنية الدولة الفرنسية، أهمية كبيرة فى تقديرى وهى جديرة بالدراسة والاقتباس (فى كثير من جوانبها)، وتقوم تلك العملية على أساسين.. أحدهما هو إدخال بعض التعديلات على قانون (علمانية الدولة) الصادر فى 1905 تيسر أن يصير الإسلام مشمولا به كمثل الديانات المسيحية واليهودية تساوقا مع زيادة حجم المسلمين فى فرنسا الذى بلغ نحو ستة ملايين نسمة، أما ثانى المدخلين الذى تتبعه إدارة ماكرون فهو (مأسسة) الجهات المتحدثة باسم الإسلام إذا جاز التعبير، بعد كل العشوائية التى شهدتها الساحة الأوروبية بعامة والساحة الفرنسية خصوصا، وتعددت فيها التعبيرات غير المنضبطة عن المسلمين، وفى هذا الإطار أنشأت فرنسا أيام ساركوزى المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية، ونحن ليس لدينا هذه المشكلة لأن المؤسسة الحاضنة التى تضبط الممارسات الإسلامية هى نظريا الأزهر الشريف، ولكن الأزمة عندنا هى تكاثر جهات أخرى تدعى لنفسها اختصاصا فى رعاية وتوجيه المسلمين هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى فإن الأزهر الشريف تعرض عبر عهود وعقود إلى بعض التضرر نتيجة تسلل أفكار لا بل ومناهج هى بوابة للتطرف، الأمر الذى يتغلب الأزهر عليه الآن بلجان فحص ودراسة مناهج التعليم الأزهرى، وهو أمر تقوم به هذه المؤسسة الدينية العريقة منذ سنوات بمقدار ما يسمح به استعداد المجتمع وإرادة الدولة ووجود حالة أو مناخ يسهله ويساعد عليه.. متابعة تجربة فرنسا مع الإسلام تستحق الفهم.. أو محاولة الفهم. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع