انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه الأربعاء في البنوك    ارتفاع أسعار النفط بعد انخفاض غير متوقع في مخزونات الخام الأمريكية    حقيقة ارتفاع سعر الثوم بالأسواق.. هل الكيلو هيوصل 100 جنيه؟    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 24 أبريل    إصابة رئيس الشيشان قديروف ب"مرض مميت"، والكرملين يجهز بطل روسيا لخلافته    صحف الإمارات اليوم.. لا مؤشرات على توقف الحرب في غزة.. وفد اقتصادي كوري شمالي يزور إيران.. وأمريكا تنذر تيك توك    الشيوخ الأمريكي يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا    ما حقيقة المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي؟    10 معلومات عن ميناء غزة المؤقت.. تنتهي أمريكا من بنائه خلال أيام    طولان: الزمالك سيتخطى دريمز الغاني.. ولست ضد حسام حسن لكن اختياره خاطئ    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    ميدو يعلق على تأهل العين الإماراتي لنهائي دوري أبطال آسيا    الأرصاد تحذر من ارتفاع غير مسبوق في درجات حرارة اليوم، والقاهرة تسجل 41 درجة في الظل    الكونجرس يقر نهائيا قانونا يستهدف تغيير ملكية تطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك    الكرم العربي أعاق وصولها للعالمية، "بيتزا المنسف" تثير الجدل في الأردن (فيديو)    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    عتريس السينما المصرية.. محمود مرسي تزوج مرة واحدة وتوفى أثناء التصوير    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة    نمو الطلب على إنتاج أيه إس إم إنترناشونال الهولندية لمعدات تصنيع الرقائق    «زراعة الإسكندرية»: ذروة حصاد القمح الأسبوع المقبل.. وإنتاجية الفدان تصل ل18 أردبًا هذا العام    قبل 8 مايو.. ما شروط الأعذار المرضية قبل بدء امتحانات نهاية العام 2024؟    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    الكونجرس يقر مشروع قانون يحظر «تيك توك» بالولايات المتحدة    نتائج مباريات الأدوار من بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    مشاهدة صلاح اليوم.. موعد مباراة ليفربول وإيفرتون في الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    موازنة النواب: تخصيص اعتمادات لتعيين 80 ألف معلم و30 ألفا بالقطاع الطبي    أيمن يونس: «زيزو» هو الزمالك.. وأنا من أقنعت شيكابالا بالتجديد    خطر تحت أقدامنا    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    مسئول أمريكي: خطر المجاعة «شديد جدًا» في غزة خصوصًا بشمال القطاع    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    عاجل - درجات الحرارة ستصل ل 40..متنزلش من البيت    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    «رب ضارة نافعة»..أحمد عبد العزيز يلتقي بشاب انفعل عليه في عزاء شيرين سيف النصر    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    موعد مباريات اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024| إنفوجراف    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانية..صورة المجتمع المحايد

حينما طرح مصطلح العلمانية نفسه علينا من خلال هذه (الفورة) التصنيفية , لما هو اسلامى فى مقابل ما هو علمانى ,وكيفية ادراك الحاضر بحداثته العلمانية فى ظل استدعاء لارث الماضى الذى ينتزع الحاضر من وقائعه , ليقيده بتركة الماضى البعيد التى تمثل حقيقة مطلقة فى مقابل الادعاء بزيف الحداثة قرينة العلمانية .
ومن حيث تختلط المفاهيم والافكار والمصطلحات تتوه المعانى ويضل الطريق,فينقطع المسار , وتتوقف الخطوات لتطرح من جديد أسئلة فرضها (التيه) الذى ندور فى حلقاته المفرغة والتى استدعاها هذا الضلال الذى نقاوم الغرق فى مستنقعاته الموحله فنلوذ بقراءة عميقة , وجديدة لمصطلحات استفزت أغراضها الاصطلاحية واصبحت متضمنة فى سياق الحياة اليومية .
ان العلمانى كما سنرى هو الانسان العادى أو رجل الشارع الذى يمارس حياته كأنه يعيش أبدا , ويعمل لاخرته كأنه يموت غدا كما فى الاسلام , وهو من يعطى ما لله لله وما لقيصر لقيصر كما يرى السيد المسيح .
وقد جاء اختيارنا لتناول مصطلح العلمانية وارتباطاتها الحداثية من خلال وجهة نظر فلسفية هدفها تأصيل المفهوم , وقراءة مضامينه السياسية , ومن وجهة فكرية تاريخية لفهم أبعاد المصطلح وتطوره وعلاقته بالحداثة وضرورات حضوره على الساحه الآن .
تتفق الرؤيتان فى الحوارين مع المفكرين صلاح قنصوة وخالد زيادة علي ان العلمانية ليست دينا ولا مذهبا تعني برجل الشارع ولا تعني بالسماء تتعلق بما هو انساني وليس بما هو ديني وهي ليست ضد الدين لكنها لا تفرضه ولا تعمقه آي آن العلمانيه تسمح بان يمارس الناس عقائدهم كما يحبون دون ترهيب آو تزهيب باختصار هي ليست دينا ولا مذهبا لا ايدولوجيا ولا نظريه انها صوره المجتمع المحايد.
‎صلاح قنصوه بروح الفيلسوف صاحب الرؤية والقدرة على التنظير , والفنان المبدع ,الذى يضفى على الحديث بهاء وجمالا من خلال نظرة عميقة نافذة , واسلوب لغوى يجمع بين العمق والسلاسة ,يتنوع انتاجه الغزير بين الفكر والفلسفة والثقافة والفن , اهمها فلسفة العلم ,الموضوعية فى مناهج العلوم الانسانية , فلسفة القيمة , تمارين فى النقد الثقافى ,الدين والفكر والفلسفة ,نظريتى فى الفن , بالاضافة الى العديد من الابحاث والدراسات فى اطار الحفر المعرفى فى مجالات العلمانية والعولمة و التفكيكية والبنيوية . حصل على جوائز الدولة التشجيعية والتفوق والتقديرية.
وخالد زيادة المفكر والاستاذ الجامعى المرموق الذى نرى أن لبنان لم يختره سفيرا فى دولة بحجم مصر الا دلالة دبلوماسية على تكريم الثقافة الرفيعه والاستنارة المتدفقة بالفكر والمعرفة ,كانت اطروحته (اكتشاف التقدم الاوروبى) والذى طبع فى طبعات أخرى بعنوان المسلمون والحداثة الاوروبية بداية اهتمامه بالعلاقات الاسلامية والعربية من جهة وباوروبا والغرب من جهة اخرى ,ثم توالت اطروحاته من خلال كتبه المهمة التى لاقت صدى واسعا فى العالمين العربى والغربى منها الكاتب والسلطان ,.تطور النظرة الاسلامية الى اوروبا , لم يعد لأوروبا ماتقدمه للعرب ، بالاضافة الى اعماله الادبية حكاية فيصل (رواية) وحارات الاهل جادات اللهو , بوابات المدينة والسور الوهمى, يوم الجمعة يوم الاحد , بالاضافة الى تحقيق وترجمة العديد من الكتب . مع الإثنين ندعوكم لرحلة حوارية.

وسط عالم تتخاطفه الأحداث من كل جانب جاءت الحوارات , محاولة لترتيب أفكارنا والدوران فى فلك وعى جديد ,لعلنا نصل الى القدرة على اعادة التفكير فى الاسئلة المطروحة على الساحة العالمية .
فالحوارات التى نقدمها حول المستقبل بمثابة حفر معرفى فى أذهان النخبة العالمية الذين قبلوا بشجاعة تحدى الاجابة عن أسئلة محورية وشاملة حول الموضوعات الاكثر أهمية وحيوية على الساحة العالمية المعاصرة وارتدادتها على المحيط المصرى والعربى , ونتوقف عمدا عند محطات فكرية ذات دلالة فى السياق التاريخى والحضارى منها التجربة الديمقراطية... ونتاجات الحداثة... وحوار الحضارات والتعددية الثقافية فى مواجهة العولمة.... ولا يمكننا أن نغفل هذه الثلاثية التى تثير جدلا صعودا وهبوطا ,كرا وفرا ,وهى الدين بالمعنى العام ,والعلمانية ,والاسلام السياسى بوجه خاص . فجاءت حوارات المستقبل محاولة لقراءة هذا الوضع المتفجر بالاسئلة المتشابكة.باختصار هى قراءات متأنية فى زمن متعجل .

‎صلاح قنصوه: ليست ديناً ولامذهباً
هذا المصطلح «العلمانية» كيف أصبح سئ السمعة لدى كثير من العوام لدرجة أنه يمكن سب واحد من الناس بمقولة «يا علمانى» ويمكن إضافة تهمة أخرى إلى هذا السباب فيقال «يا علمانى» «يا كافر» أو على أخف الأوصاف «يا زنديق». ما علاقة نشأة المصطلح وأصوله بهذا الكيل من السباب والاتهامات التى ليس هناك ما يبررها فى ضوء عدم معرفة دلالة المصطلح؟
بداية فلنؤصل للكلمة (علمانى)، إنها ذات أصل سريانى فيقال (عالمانى) ومعناها ببساطة الشعب، ومازالت الكلمة حتى الآن تذكر فى مصر والشام على ألسنة الناس عندما يقولون «العالم» يقصدون الناس أو الشعب، فبدلاً من كلمة (يا ناس) يقال (يا عالم) أو (الناس دول) هى (العالم دول)... إلخ. والكلمة لم نستخدمها إلا فى القرن 19 عن طريق الشوام، وهى مرتبطة كمقابل برجال الكنيسة (أو رجال الدين المسيحى) فهناك رجال الدين وفى مقابلهم الناس أو باقى الناس من غير رجال الدين أو العالم أو الشعب ولو سألت مسيحى مصرى هل لديهم مجلس علمانى (المجلس الملى) لأجابك بنعم، بإيجاز أى شخص علمانى هو من لا ينتمى إلى رجال الدين، لكنه ليس ضد الدين أو خارج عن الملة هناك رجال دين وهناك أناس عاديين هم «العالم» (أو العلمانيون). وفى الإنجليزية معنى كلمة Lay manأو علمانى بمعنى رجل الشارع أو الرجل العادى. وقد جاء اشتقاقها من كلمة يونانية قديمة Layos بمعنى الشعب أو العامة فى مقابل طبقة رجال الدين أو الأكليروس. وكلمة Seulum
لكن لما ارتبطت العلمانية بالخطاب السياسى؟
أبدأ هذه الواقعة التى تكشف عن وجه الزيف الذى زحف إلينا عبر السنوات الماضية تحت شعارات براقة لكنها فارغة من المعنى والواقعة كالآتى: عند تنصيب الملك «فاروق» كان النحاس رئيس الوزراء آنذاك فطلب الشيخ المراغى (شيخ الأزهر) أن يلبس الملك العباءة ويباركه كما يصنع ملوك أوروبا فى الزمن القديم فوقف النحاس وقال: لا يمكن أن يحدث هذا فنحن دولة علمانية ولم يثر عليه الناس أو الشعب ولم يقل واحد منهم عن النحاس أنه علمانى أو ملحد، لم يحدث غضب أو صخب آنذاك. وعندما جاء نهرو إلى مصر فى نهاية حكم الوفد قال رداً على أحد الصحفيين نحن دولة علمانية. وقد ارتبطت العلمانية بالخطاب السياسى دائماً فيما عدا الإخوان المسلمين ومن كان على شاكلتهم لأنهم يرون الإسلام دين ودولة ومن ثم بدأت الحرب على العلمانية وتلبيسها ما ليس فيها.. يمكن القول أن العلمانية كمصطلح سياسى انتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد، لكن بعثها من جديد يخلق مشكلات نحن فى غنى عنها إذ يشق الصفوف باختراع نزاعات فكرية تسرب طاقاتنا فى قنوات رمليه ويصرف انتباهنا عن العدو الحقيقى الذى يتربص بنا جميعاً ولا يهمه ما نعلقه من لافتات على رءوسنا. وما يدعو للغرابة وأيضاً للتأمل والنظر والسؤال أن تلك الكلمة المنقرضة «سياسياً» لم تبعث من مرقدها إلا فى العقدين الآخرين فأزعجا البعض عن جهل أو سوء طويه؛ فى ضريحها التاريخى فبرزت عفريتا وغولا يدخلون به الرعب فى نفوس العامة لكى يطلبوا الحماية والأمن، فيوذون بالشعارات الدينية التى تزدهم بها الساحة، وهكذا تمثل العلمانية «خيال المآته» الذى يخيف فيهرع الناس إلى الاعتصام بمقولات أولئك الذين يربطون السلطة السياسية بالسلطة الدينية دون وعى وعن عمد لتحصل نتائج معينة.
ما دور العلمانية فى بناء المجال السياسى؟
العلمانية خطاب واقعى، يزيل الغشاوة التى وضعتها الإدعاءات الدينية عن الدولة الدينية أى الإسلام دين ودولة، وقد اقيمت هذه الدعاوى على مناورة شديدة الدهاء وهى استخدام لفظ «حكم» القرآنية استخداماً معاصراً منتزعا من سياقه الأصلى ليكتسى الدلالة الحديثة التى تعنى السلطة أو الدولة، فالكلمة «حكم» كما وردت فى القرآن الكريم على سبيل الحصر، بكل تصريفاتها إنما تدل على القضاء والفصل فى النزاع، كما تعنى العلم والحكمة «واتيناه الحكم صبيا» آية (12) من سورة مريم، ولا تعنى الحكم السياسى على الإطلاق. والواقع أن كلمة علمانى عند استخدامها لها دلالة سلبية، لأنها تستخدم فى السجال الدينى عند الحديث فى المسائل السياسية عندما يتم التعرض لهؤلاء العلمانيين بالسب أو الاتهام أو حتى سفك الدماء. إن المسألة يمكن إيجازها بأن أى نظام سياسى هو علمانى حتى عندما يتم تفسير الدين على يد البشر هو تفسير علمانى لأنه يتعلق بحياة الناس وشئونهم.
تطرح «الحاكمية لله» فى مقابل «العلمانية».. كيف يمكن طرح المطلق فى مقابل النسبى فى السياسة، بحيث يختلطان معاً وما هى نتيجة هذا الخلط؟
إذا كان المقصود «بالحاكمية» إذا أراد أصحابها النزول بها إلى معترك السياسة، أى رفض الأمة أو الشعب كمصدر للسلطات، فهذا شأنهم، بل وحقهم فى إعلانه كوجهة نظر «فاشية» فى السياسة. ولكن بشرط ألا يدخلوا الله سبحانه وتعالى طرفا فى خلاف، إذ ليس من المعقول أو المقبول أن نضع الله سبحانه وتعالى فى موازنة أو مقارنة مع عباده. فالله المتعال خارج القضية أصلاً. وبالتالى لا يبقى من زعمهم إلا رفض الأمة أو الشعب مصدراً للسلطات بحيث يكون البديل فى نظرهم مصدراً آخر. فقد يكون جماعة العلماء أو مكتب الإرشاد أو أمراء الجماعات، أو رجال «البازار» كما هو الحال فى إيران، أو أية نخبة من البشر يختار منهم وفقا للمصالح، أو تحت شعار فضفاض يخيف المعارضين ويبعث آمال طالبى السلطة والمال.
هل نحن فى حاجة اليوم إلى بعث مصطلح كالعلمانية، هل لا يزال مفعوله سارياً فى الجدل السياسى؟
لعل دعاة الحكومة الدينية قد طاب لهم استثمارها، فهم وحدهم من يطيل الحديث عنها، ولذلك فمن اليسر أن يتم تقسيم الناس أو المواطنين إلى فريقين إسلامى أو علمانى وهنا تظهر عبارات من عينه. الجنة والنار فى استفتاء مارس والأخضر الحلال والأحمر الحرام بالنسبة للون بطاقات الاستفتاء، وكذلك غزوة الصناديق، وعلى العلمانيين أن يهاجروا إذا لم يعجبهم مآل هذه الغزوة. وهنا يصبح للاتهام بكلمة «علمانى» مفعول السحر إذ «يكوم» بهذه الكلمة ذلك العلمانى ومن ثم ينفض عنه العامة وجمهور البسطاء. ويتم استخدام كلمة الاتهام «بعلمانى» لصرف الجماهير عن المشكلات الحقيقية، ويحصرها فى نطاق القوالب الجاهزة التى تسقط عن المواطنين مسئولية العمل والبحث والاجتهاد والحوار مادامت الخانات قد تحددت وتم حسمها مع إثارة للشهنات الانفعالية والحماس المشبوب ويتم اختصار المسألة فى عبارة واحدة: الحل هو الإسلام والعدو هو العلمانية، ويتم تقدير الدين كما لو كان اكتشافا جديداً جاء بعد جهد وتنقيب بفضل هؤلاء الدعاة وتلو الجماعات. فيتم تكريس الحديث عن الدين كما لو كان أمرا قد نسيه الناس وأن أولئك عاكفون على فك رموزه، وفض أسراره.
أخيراً.. من يخاف العلمانية؟
كل محتال ومستفيد من الشعارات الدينية
خالد زيادة..و مسار تاريخى لاصلة له بالإلحاد
في أي سياق يمكن أن يوضع فيه هذا المصطلح؟
العلمانية هي مسار تاريخى، وليست أيديولوجية أو نظرية. وإن كان يحلو للبعض أن يكونوا دعاة للعلمانية في عالمنا العربي والاسلامي، ويقصدون من ذلك فصل الدين عن الدولة أو بمعنى أدق حجب تأثير الدين على الشئون التي هي من اختصاص الدولة. والجدير بالذكر هنا أن الجدل حول العلمانية لم يشغل بال أمم عريقة ذات تجارب في الماضي والحاضر مثل الأمة الصينية أو الأمة الهندية على سبيل المثال.
ويجدر أن نضع العلمانية في سياقها الأوروبي وخصوصاً منذ بدايات عصر النهضة الأوروبية، التي تأسست على احياء اللغات المحلية على حسب اللغة اللاتينية. وكانت النصوص المبكرة والمؤثرة التي كتبت باللغات الأوروبية ذات طابع لاديني، مثل الكوميديا الإلهية لدانتي بالايطالية ونصوص رابليه ورونساو بالفرنسية وسرفانتس بالأسبانية فضلاً عن شكسبير بالانكليزية.
وعندما تُرجم الكتاب المقدس إلى الألمانية حدث الانشقاق عن روما والكنيسة مع الحركة البروتستانتية التي ناهضت مبدأ السلطة الدينية.
ونهوض اللغات المحلية كان له الأثر البالغ لجهة نشوء الدول القومية، بل إن العلمنة التي تعني فصل الدين عن الدولة، قد تأسس في فجر النهضة الأوروبية من خلال إهمال اللاتينية وتحول اللغات القومية إلى لغات تعبير أدبي وعلمي وفلسفي. ومثال الفيلسوف الفرنسي ديكارت معبر في هذا المجال فقد كتب باللاتينية، إلا أنه كتب “مقالة الطريقة” بالفرنسية، وقد اعتبر الأب المؤسس للفلسفة الحديثة. وترك فرنسا إلى هولندا ليتفادى اتهامات السلطات الكنسية.
وإذا ما نظرنا إلى تجربة النهضة العربية نجد مساراً معاكساً لما حدث في أوروبا، فقد احيت النهضة العربية اللغة الفصحى الكلاسيكية، وهي لغة الفقه والحديث وعلم الكلام، بقدر ما هي لغة الشعر والآداب والعلم. ولو رجعنا إلى العصر الكلاسيكي وتفحصنا النصوص العلمية أو النصوص الأدبية سنجد أنها خالية من التعبيرات الدينية مثل نصوص الجاحظ وقصائد ابن الرومي والمتنبي فضلاً عن المعري. وبهذا المعنى فإن اللغة العربية اتسعت للتعبيرات الدينية في علم الكلام والفقه كما اتسعت للتعبيرات الدنيوية في النصوص الأدبية فضلاً عن كونها اتسعت للمفردات العلمية والفلسفية.
وقد بعثت النهضة العربية الحديثة في القرن التاسع عشر النصوص الأدبية شعراً ونثراً، بل عادت إلى الشعر الجاهلي، واستعادت أعمال المؤرخين الكبار من الطبري إلى ابن خلدون، كما استعادت النصوص الفلسفية للكندي والفارابي وابن رشد. وعندما برز تيار الاصلاحية الاسلامية استعاد اللغة الدينية؛ والمحاولات الشهيرة بين الامام محمد عبده وفرح أنطون تبين لنا أن الحوار بين المفاهيم المتعارضة قد تم في إطار اللغة الواحدة، علماً بأن الامام محمد عبده كان قد ضمّن خطابه الديني بعداً تنويرياً لا ريب فيه. وعندما استفحلت التيارات الأصولية اعتمدت نصوصاً دينية متشددة ومغلقة، وناصبت التراث الأدبي والشعري والفلسفي وحتى الكلامي العداء.
وإذا عدنا إلى التاريخ الواقعي نجد ان المؤرخين أهملوا حقيقة انفصال شئون الدولة عن شئون الدين في الدول السابقة لحداثة القرن التاسع عشر، ويكفي أن نستعيد رسائل الكتاب الخاصة بنصائح الملوك والأمراء لنجد فيها تعبيرات عن استقلال شئون الدولة عن الدين. ومن المفيد أن نستعيد ما ذكره المؤرخ المقريزي في خططه حين قسم الأحكام إلى قسمين: حكم الشرع وحكم السياسة. وفي الفترة العثمانية نشأت مؤسسة دينية تتولى شئون القضاء والتدريس، وأوكلت شئون الدولة للوزراء في الديوان والولاة في الأقاليم.
ومن الوجهة العملية عرفت الدول (التي تسمى إسلامية والتي لم تستخدم اسم الاسلام ولا مرة واحدة بل كانت تنسب إلى السلالات الحاكمة ) الانفصال بين ما هو ديني وما هو سياسي أو دولتي. ومع ذلك فإننا أهملنا هذا التراث ولم نستثمره.
كيف ترون دور العلمانية في الحداثة الأوروبية.
الواقع الذي أراه هو أن العلمانية في أوروبا هي نتاج الحداثة وليس العكس، فسياق النهضة الأوروبية الذي أشرنا إليه افضى إلى الفصل بين تطور الدولة في معزل عن الكنيسة. ويمكننا أن نذكر كيف أن المراقبين العثمانيين في مطلع القرن الثامن عشر قد لاحظوا أن الدين لا شأن له في أمور الدولة في ممالك أوروبا. ولعل فرنسا هي البلد الذي تأخر فيها هذا الفصل بين الديني والدنيوي، وكان رجال الدين (ريشيلو ومازران) وزراء نافذين في عصر لويس الرابع عشر والخامس عشر، ومن هنا نشأت حركة تنويرية معادية للدين كرد فعل، ونصوص المفكر الفرنسي فولتير تظهر لنا عداء للسلطة الكنسية. وحين قامت الثورة الفرنسية ألغت الدين الكاثوليكي وأعلنت ديانة العقل، وفرنسا البلد الوحيد الذي أعلن تبني العلمانية وكان ذلك عام 1905. إلا أننا لا نجد شيئاً شبيهاً في ايطاليا أو ألمانيا أو هولندا أو أسبانيا. خصوصاً لجهة الدور الذي تلعبه الكنائس في إدارة المدارس والتعليم. وينبغي أن نذكر أيضاً بأن ضغوط التطور الذي أحرزته المجتمعات الأوروبية قد أدى إلى انعقاد ما عُرف باسم “الفاتيكان الثاني” (1962-1965) الذي تمخض عن مصالحة الكنيسة مع العالم الحديث من خلال سلسلة من المقررات التي وضعت الكنيسة في سياق العصر.
يستخدم الاسلام السياسي مصطلح العلمانية لاقصاء المثقفين أو التنويريين أمام الجماهير فما رأيكم؟
الواقع أن الاسلام السياسي يصدر عن تفكير أحادي وإقصائي، وقد استخدم كلمة العلمانية بمعنى الإلحاد، وقد ألصق بالعلمانية صفات ليست لها، فالعلمانية التي تعني الفصل بين المجال السياسي والمجال الديني، لم تكن دعوة إلحادية ولا تمت بصلة إلى النزعات الإلحادية أو المادية أو الاشتراكية. وكما ذكرت سابقاً فالعلمانية ليست أيديولوجية وليست نظرية، وإنما هي سلسلة من الإجراءات والتطبيقات التي تتفاوت بين دولة وأخرى.
وفي المرحلة السابقة، التي امتدت عقوداً كسب الاسلام المعركة، ليس في الميدان السياسي، ولكن في الميدان الاصطلاحي فقد تمكن من ترويج لغة إصطلاحية مستمدة من تراث ديني متزمت وأحادي. وقد نجح الاسلام السياسي في ذلك في ظل الأنظمة الأحادية، والتي لم تسعى إلى فصل الديني عن السياسي، وإنما أرادت للمؤسسة الدينيه أن تكون أداة من أدواتها، وقد أدى فشل مشاريع الدول الأحادية إلى انتصار اللغة الاصطلاحية للتيارات الاسلامية.
ما هو موقف رجال الدين من العلمانية عبر التاريخ؟
باختصار شديد أقول، إذا كان موقف رجال الدين هو رفض مبدأ فصل الدين عن الدولة، فإننا نستطيع أن نراقب في كل مرحلة من التاريخ وقوف بعض رجال دين إلى جانب المشاريع الاصلاحية والتحديثية، حدث ذلك في الدولة العثمانية في مصر وفي إيران، وأعتقد انه من الضروري استعادة تراث الاصلاحية الاسلامية، وخصوصاً مع رائدها الامام محمد عبده الذي كان داعية إلى إصلاح التفكير في الاسلام وكان داعية إلى إبعاد الدين عن شئون الدولة، وكان لا يعترف بأي سلطة دينية.
هل يمكن الحديث عما بعد العلمانية كقولنا ما بعد الحداثة؟
لقد شاعت في عقدين سابقين عبارة ما بعد الحداثة. وكانت تعني من بين ما تعنيه حقوق الأقليات في التعبير، فاحتضن تيار ما بعد الحداثة الحركات النسوية ونزعات فتية وغير ذلك، والدعوة إلى تجاوز العقلانية الصارمة في الفكر، وبهذا المعنى نجد ذلك في النموذج الفرنسي، هذا النموذج الذي يواجه اليوم تحديات ثقافية وإثنية إزاء إدماج المسلمين العرب في النموذج العلماني الفرنسي، والذي يضطر إلى توسيع رؤيته لمسائل الثقافة ومبدأ الجمهورية إلخ.
وإذا كنت أميل إلى الرأي الذي يدعو إلى تجاوز مفاهيم العلمانية التي ترجع إلى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فلا يمكن أن نتغاضى عن كون مجتمعاتنا العربية لم تنجز حداثتها أصلاً، ولم تحقق شروط الدولة، بل رأينا في هذا المجال تراجعاً عن المواطنة لصالح الولاءات الأولية العائلية والمناطقية والعشائرية.
النموذج التركي لدولة علمانية بمرجعية إسلامية إسلامية، هل يمكن تطبيقه على عالمنا العربي؟
أريد أن أشير إلى أن التجربة التركية تعطينا مثالاً واضحاً على أهمية المعطى اللغوي. فحين أراد مصطفى كمال أتاتورك أن يمضي في إعلان جمهورية تركية علمانية، كان أول ما فعله هو القطع مع الميراث الرمزي للخلافة والسلطنة، ثم قرر إلغاء استخدام الحرف العربي واستبدله بالحرف اللاتيني، مع ما يعنيه ذلك من اسقاط السلطة الرمزية للحرف العربي واللغة العربية التي تحمل التراث الفقهي والتشريعي، وبغض النظر عن مناقشة آثار هذا الاجراء الذي قطع الأتراك عن تاريخهم بحيث لا يمكن لتركي غير متخصص أن يقرأ نصوصاً سابقة لعام 1927.
الأمر الثاني الذي تجدر الإشارة إليها أن العلمانية التركية لم تأت في سياق تاريخي (علماً بأن الادارة العثمانية كانت قد تحدثت خلال عهد التنظيمات، وكذلك القضاء الذي انفصل عن سلطة الفقهاء) وإنما جاءت بقرار في سياق تبدلات عالمية حدثت بعد الحرب العالمية الأولى. وكما هو معلوم فإن الجيش نُصب كحارس للعلمانية، وتدخل مرات عديدة عبر الانقلابات العسكرية، باسم الحفاظ على مبادئ العلمنة.
ومع ذلك فإن تنامي التيار الاسلامي منذ المؤسس نجم الدين اربكان في سبعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، ينم عن صراع ثقافي وأيديولوجي لم يستطع تبني العلمنة الصارم أن يلغيه. أعتقد أنه من المبكر الحكم على هذا التعايش بين جمهورية تتبنى العلمنة وبين تنامي للتيار الاسلامي، الذي يواجه خصوماً عنيدين في بلد متعدد المذاهب والاثنيات، وتستخدم العلمنة لتمويه صراعات الثقافة والهوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.