تكتسب مشاركة الرئيس السيسى فى قمة منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، التى تعقد حالياً فى بكين، أهمية بالغة لوضع الأولويات المصرية على الأجندة الصينية فى خططها العالمية، وربط مشروعات الصين المستقبلية العملاقة بمصر كشريك أساسى واستراتيجى. فقد اتخذت الصين من مبادرة الحزام والطريق بوابة لانطلاقها العالمي، والتحول من قوة إقليمية إلى قوة عالمية كبري، فى اقتراب يختلف كثيراً عن معادلات القوة العسكرية والهيمنة وبسط النفوذ التى كانت على مدى قرون ممتدة تعتبر بوصلة الاستراتيجية العالمية للقوى الكبرى والمحدد الأساسى لوضعها الدولي. ورغم أن اهتمام الصين بإحياء طريق الحرير القديم الذى يمتد بجذوره للقرن الثانى قبل الميلاد يعود إلى حقبة التسعينيات حين أولت الحكومة الصينية اهتماماً كبيراً بالمشروع وخصصت له مؤتمراً عُقد فى العاصمة بكين فى مايو 1996 شاركت فيه وفود من 34 دولة، إلا أن قفزات ملموسة تمت منذ تولى الرئيس شى جين بينج السلطة عام 2013. فقد تحول الطرح الصينى من مبادرة تمثل محورا ضمن محاور عدة أخرى لسياسة الصين الخارجية إلى مشروع الصين للقرن الحادى والعشرين وللصعود إلى مصاف القوى عالمية التوجه والتأثير ولكن من منظور وعلى أسس اقتصادية أو استراتيجية بالمعنى والمضمون الاقتصادى وليس العسكري. وهو ما اعترفت به وأكدته المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولى كريستين لاجارد خلال افتتاح الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولى بالعاصمة الصينيةبكين فى 25 أبريل حيث أشارت إلى أن مبادرة الحزام والطريق تعد علامة مهمة على قيادة الصين للشئون الدولية. فرغم أن مشروع الحزام والطريق انطلق لربط الصين بأوروبا فإنه اتسع وتجاوز حدود أوراسيا ليضم إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى ومنطقة جنوب الباسيفيك، وحتى يوليو 2018، وقعت أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية على وثائق تعاون مع الصين فى إطار مبادرة الحزام والطريق. وتأتى مصر فى قلب مشروع الحزام والطريق وذلك بموقعها الجغرافى الفريد وقناة السويس التى تعد محورا رئيسيا وضروريا فى المشروع. ويفتح هذا آفاقا رحبة لمصر فى تعاونها مع الصين على المستوى الثنائى لاسيما فى منطقة محور قناة السويس، التى تحظى باهتمام كبير من جانب الصين وتسعى لضخ استثماراتها فى هذه المنطقة وإقامة مشروعات جادة تخدم مصالح البلدين. كما تبرز آفاقا أرحب لتطوير التعاون المصرى الصينى المشترك فى القارة الإفريقية. ومن المعروف أن الاهتمام الصينى بإفريقيا يتطور على نحو أذهل الكثيرين وتنطلق فى ذلك من رؤية مختلفة عن نظيرتها الغربية حيث تقوم على مبدأ «ننمو معا»، وتنطلق من أن حلم الصين هو حلم العالم فهى ليست تنمية أنانية، على حد تعبير المسئولين الصينيين، وإنما تقوم على مبدأ التنمية المتبادلة والمشتركة، وأن دعم التنمية فى الدول الأخري، هو دعم للتنمية الصينية أى موقف رابح رابح. وعكست القمة الصينية الإفريقية السابعة، التى عقدت فى بكين، فى سبتمبر الماضى وشارك بها 53 زعيما إفريقيا ونحو 1000 مشارك، ثقل الصين وتطلعاتها المستقبلية فى إفريقيا. ومن المعروف أن هناك أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حاليا فى إفريقيا، وتشير بعض المصادر إلى 2500 شركة. ووفقاً لوزارة التجارة الصينية، تستثمر بكين سنويا منذ 2015 ما يقارب 15 مليار دولار فى الدول الإفريقية، بإجمالى استثمارات بلغت 100 مليار دولار، تغطى كل دول القارة تقريباً. وقدمت الصين 60 مليار دولار لتمويل مشروعاتها بالقارة، والتى شملت مجالات التصنيع، والتحديث الزراعي، والبنية التحتية، والخدمات المالية، والتنمية الخضراء، وتيسير التجارة والاستثمار، والحد من الفقر، والرفاهية العامة، والصحة العامة، والتبادلات الشعبية والسلام والأمن. وتم خلالها مد 30 ألف كيلومتر من الطرق السريعة بالإضافة إلى خلق نحو 900 ألف فرصة عمل محلية، ومن بين تلك المشروعات خط سكة حديد يبلغ طوله 480 كيلومتراً لربط نيروبى ومومباسا فى كينيا، خلق نحو 46 ألف فرصة عمل. وإنشاء أول سكة حديد مكهربة عبر الحدود فى إفريقيا، والتى توفر لإثيوبيا غير الساحلية الوصول السريع إلى الميناء البحرى فى جيبوتي. وقد تعهد الرئيس شى جين بينج خلال قمة 2018 بتخصيص 60 مليار دولار إضافية للمساعدات والاستثمارات فى الدول الإفريقية، وأنه سيتم إعفاء البلدان الإفريقية الأقل نموا من سداد بعض ديونها إلى الصين. كما أعلن سلسلة من المشروعات والشراكات فى مجالات التجارة والبنية التحتية والرعاية الصحية والأمن. وحقق حجم التبادل التجارى بين الصين وإفريقيا قفزات ملحوظة من 10 مليارات دولار عام 2000 إلى ما يزيد على عشرين مرة ليصل إلى نحو 200 مليار دولار عام 2018، لتصبح الصين بذلك أكبر شريك تجارى لإفريقيا ل 9 سنوات متتالية. وفى يوليو 2018، افتتحت الصين منطقة للتجارة الحرة الدولية فى جيبوتى، والتى من المتوقع أن تحقق أكثر من 7 مليارات دولار من التجارة فى العامين المقبلين. يأتى هذا فى إطار حراك سياسى رفيع المستوى بين الصين وزعماء القارة الأفريقية وخلال 3 سنوات «2015- 2018»، زار الرئيس شى جين بينج إفريقيا 3 مرات، فى حين قام ما يقرب من 30 رئيس دولة أو حكومة من إفريقيا بزيارة الصين. كما شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة فى التبادلات الثقافية والشعبية بين الجانبين، حيث تستقبل إفريقيا أكثر من مليون مسافر صينى كل عام، وبنهاية عام 2017، افتتحت الصين نحو 54 فرعاً لمعهد كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية فى 39 دولة إفريقية، وبنهاية عام 2018 قامت الصين بتدريب أكثر من 200 ألف مهنى إفريقى فى مختلف المجالات، وأكثر من 40 ألف مسؤول وفنى إفريقى فى الصين. إن الصين انطلقت إلى العالمية وتبوأت مكانتها فى مصاف القوى الكبرى المؤثرة بأدوات وأهداف قد تختلف عن تلك التى اعتدنا عليها فى بحث وتحليل السياسة الدولية، ومن خلال جهد ضخم لأكثر من 602 مركز تفكير بحثى فى أكثر من 50 تخصصا تعمل حالياً فى الصين. ولاشك أن رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى، ودورها العربى الفاعل يؤهلان القاهرة أن تكون الشريك العربى والإفريقى الأهم للصين وتلحق بمقدمة قطار الصين السريع نحو المستقبل. لمزيد من مقالات د. نورهان الشيخ