كأنه كان محتوما عليها أن تلجأ إلى هذا المصير، كانت تعلم جيدًا أنها تخطو نحو طريق مجهول، لكن الجرح فى أعماقها كان أكثر إيلاما من أى جرح آخر. هل هناك أشد إيلاما من أن تكتشف زوجة أنها عاقر وأن كل ما يردده الأطباء عن عقمها هو عين الحقيقة؟! «لا.. ليس الأطباء دائما على حق.. ولا تجعلى اليأس يحكم حياتك، اسمعى كلامى هناك شيخ فى الفيوم قادر على حل مشكلتك وطالما عالج نساءً كن أشد يأسا منك وفى النهاية كل شيء بأمر الله». ارتاحت السيدة «س» إلى كلمات صديقتها التى تثق بها تمام الثقة وهى تخبرها بأمر هذا المعالج الروحاني، المسمى الجديد والأرقى للدجالين والمشعوذين. فهو ليس شيخا تقليديا، هو رجل مثقف ومتعلم وموظف على المعاش وهو يمارس الطب الروحانى وليس الدجل والشعوذة فلن يطلب منها إحضار الهدهد اليتيم ولا النملة الأرملة ولا هذه المهاترات التى ينصبون بها على الناس. ماذا سيفعل إذن؟! «إنك أوغلت فى الحلقة الثانية من ثلاثينات العمر وهذا هو الذى سينهى كل آلامك بالجلسات الروحية التى ستعالجك بالقوى الخارقة، فتجعل جسمك يتغلب على عقمك بقوة روحك وإرادتك، ولابد أن تسلمى إليه إرادتك فهو لا يحب الجدال ولا التشكيك فى قدراته وستعرفين بنفسك». وتحت وطأة مرارة اليأس الجاثم وإلحاح الحلم المراود، قررت «س» أن تجرب الطريق الجديد وهى تسمع كثيرا عن معجزات المعالجين الروحانيين، ثم إنهم معترف بهم فى أماكن كثيرة ويعلنون عن أنفسهم بمنتهى الوضوح فى القنوات الفضائية المعتادة، بل ويتم استضافتهم فى البرامج، ما بين الحديث عن تأثير الأبراج فى الحياة وخبراء وخبيرات الطاقة الإنسانية ومفسرى ومفسرات الأحلام، ألا ترون أنهم تخصص لهم فقرات طويلة فى البرامج الصباحية والمسائية؟!.. بل منهم من يقدمون برامج خاصة.. هناك فارق بين الدجال المشعوذ وبين الشيخ العالم المتمرس. وذهبت بالفعل مع صديقتها وكانت وهى فى طريقها من قريتها فى بنى سويف إلى قريته فى الشواشنة الواقعة فى عمق الفيوم، تشعر كأنها تتجه إلى مصيرها المحتوم، مقررة أن تكون هذه محطتها الأخيرة، فقد ضجرت من عيون المحيطين والمحيطات بها وامتلأت الروح بالمرارة من الفشل المتربص عند كل ركن، مابين الأطباء فى القاهرة وبنى سويف وتنفيذ نصائح العطارين والسيدات المجربات، كانت تتوق إلى طفل تطفيء به العيون الملتهبة المتسائلة من الزوج والأقارب والجيران، طفل يشبع استعداد الأمومة المفرط لديها وتفر به عينها ويجعل لقلقها معنى فى الحياة!. وكان الرجل بالفعل يحمل سمات الشيوخ وهيبة الخامسة والستين من العمر وله أسلوب يشعرها بالرهبة ولا يكاد يلتفت لجمالها كأنثي. الأهم أنه يبدو عليه أنه بالفعل يتمتع بقدرات خاصة رغم أنه يأتى بإجراءات كثيرة من عالم الشعوذة، لكن بعد حوار قصير، صارت «س» أسيرته فقد بدأ معها العلاج وكأنه طبيب نفسى متمكن وكان واثقا فى كلماته وهو يقتحمها بعينيه، فيبدو وكأنه يعرف كيف يسلك إلى أعماق نفسها ولم تكن تخاف منه على نفسها مع انفرادهما، فقد كانت معه كالمريض مع طبيبه، فلا تعرف كيف بدأ يسيطر عليها حتى صارت بلا إرادة، فبدأت تنفذ تعليماته التى بدأها وكأنه يخيرها بين أن تطيعه أو لا، ثم شيئا فشيئا بدأت تنفذها كفروض واجبة بلا تردد. لا تعرف «س» كيف صارت أسيرته ولا كيف استدرجها إلى مستنقع الخطيئة مغمضة العينين وراءه، حتى أفاقت على واقع مرير بأنها صارت امرأة خاطئة! ثار فى أعماقها بركان الغضب، أما إحساس العقم فقد تحملته حتى اعتادته ويمكن التغلب عليه بالاستسلام لقرار القدر، فأنى لها بوحل الخطيئة وقد أفاقت عليه فتكره مع نفسها كل شيء حولها ولاحت كأنها مشوهة الوجه فلا تجسر على الوقوف أمام مرآة حتى كانت تخشى الانفراد حتى لا تقتل نفسها، لكن إن كان القرار بقتل الدجال فموته سيريحه من العار وستبقى وحدها تعانى الفضيحة مشوهة الروح ملوثة السمعة، فليكن شريكها فى الفضيحة والتشوه الحقيقي، فلن يطفئ نارها إلا «ماء النار»، فاتخذت طريقها إليه تحمل فى يدها زجاجة بها ماء النار لتقذفه فى وجهه فى قلب بيته ليصرخ من فرط الألم ويهرع إليه الناس فيجدونه وقد احترقت ملامح وجهه وعنقه وبعض أجزاء من جسده بماء النار. وفى التحقيقات التى أمر بها اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام لم تنكر «س» بل كانت اعترافاتها تفصيلية راحت تدلى بها غير نادمة على فعلتها ولكن ندمها فقط كان على ما قبل هذا القرار. وجاء قرار النيابة بحبسها 4 أيام لتبدأ مرحلة جديدة فى حياتها لا تدرى كيف ستنتهى لتستسلم لقدر طالما قاومت التسليم به حتى أودعها هذا المصير. وتم اخطار اللواء جمال عبد البارى مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن بالحادث