إلى متى يظل عالمنا المعاصر أسيرا لجرائم الإرهاب التى حصد على أثرها الكثير والكثير دون أن يرتدع ضميره الأخلاقى والدينى والسياسى، فلم نكد نستفيق من كارثة نيوزيلندا تلك التى زلزلت الكيان الإسلامى بشكل أخص حتى نتواجه بكارثة أشد وطأة من الأولى وهى مذبحة سريلانكا التى استهدفت كنيسة سانت أنتونى وكنيسة سانت سيبا ستيان فى أثناء إقامة قداس القيامة، وأسفرت عن مصرع المئات وأضعافهم من المصابين. وقد أشارت بعض التقارير الدولية مؤكدة أن هناك حركة إسلامية تدعى (جماعة التوحيد الوطنى) هى التى خططت ونفذت تلك الهجمات الانتحارية فى إطار توجهات جماعات الإرهاب الدولى تلك المتغلغلة فى كل القارات. والملاحظ من هذه التراجيديا الدموية هو أن حادث نيوزيلندا وسريلانكا لهما تماس زمنى مع صدور قرار مجلس الأمن الخاص بمكافحة تمويل الإرهاب والقاضى فى مضمونه بضرورة التزام الدول الأعضاء بالقضاء على آليات تمويله بجانب تحديد المسئولية فى مكافحته على هذه الدول دون الوقوف على أسبابه ودوافعه، فضلا عن انتفاء جميع المبررات لحدوثه، وبالطبع لا يعد هذا القرار هو الأول من نوعه إزاء مقتضيات التعامل مع الإرهاب فقد سبقته قرارات عدة، لكن لم يكن لها طابع الضبط السياسى والاجتماعى والإستراتيجى الدولى، من ثم لم يجئ هذا القرار الصارم إلا بعد أن صارت الظاهرة الإرهابية ظاهرة متعددة الجنسية لها من الرعاة كيانات عتيدة لا تكترث إلا بمصالحها الذاتية العاصفة بمصالح الآخر ومقدراته بل بوجوده! ولعل موقف جاسيندا إزاء أحداث نيوزيلندا ستظل له بصمة حضارية تستوجب الاعتزاز والتقدير والإشادة الدولية إزاء ما استحضرته من قيم رفيعة ومبادئ ومثل سامية تناستها الكيانات الرائدة التى تطمح دوما بالريادة فى حكم العالم وتسيده دون أن تلقى بالا بالآخر .. أى آخر!. إن حادث سريلانكا ليس إلا صفحة جديدة فى تاريخ الملحمة الإرهابية تجدد لدينا طرح القضية فى إطار الدورة الحضارية التى يخوضها إنسان القرن الحادى والعشرين ذلك خلال تساؤلات لا تنتهى لكن نسرد منها: كيف أصبح الإرهاب يمثل تحديا صارخا للحضارة الإنسانية المعاصرة لا تقوى على الإطاحة به؟ كيف توانت القوة الدولية فى تطويقه وإبادته؟ لماذا تفاقمت أحداثه حتى صارت تمثل ظاهرة كونية بلغت مصاف المعضلات؟ أين فاعلية المنظمات الدولية فى سيادة السلام والأمن على الكوكب الأرضى؟ هل هناك نوع من التواطؤ الخفى بين بعض الأطراف لأن يظل المجتمع الإنسانى فى حالة دائمة من الحذر والقلق والتوتر؟ وإذا كانت الظاهرة الإرهابية قد طالت جنبات العالم فما هى مستقبلياتها؟وهل باتت حروب الكراهية هى الإستراتيجية المعاصرة الفاعلة فى بلوغ الأهداف التى لا تحققها الحروب التقليدية؟ وكيف تم توظيف الأديان كعنصر وجدانى فى إشعال فتيل تلك الحروب؟ ألم يحن الوقت أن تعلن براءة الأديان من المآثم السياسية؟ أليس التسامح يمثل مدخلا موضوعيا لسيادة مبدأ قبول الآخر فعلا وقولا؟ إن رصد الأحداث الإرهابية خلال العقد الفائت، والوقوف على دلالتها وقراءة خرائطها واستكشاف طبيعة الفكر المحرك لها وحجم تمويلاتها وترجمة مفرداتها وإقامة العلاقات المنطقية بين هذه المفردات إنما يكشف عن عمق موجات الكراهية المجتاحة للمحيط الدولى الذى يعايش فوضوية سياسية وأخلاقية واجتماعية تجسد فى جملتها تأزمات الإنسان المعاصر تحت وطأة كيانات تدأب نحو تحقيق استفادة قصوى من سيادة تلك الفوضوية التى هى بالضرورة تسجل كل لحظة سطورا جديدة لمواثيق الكراهية التى باتت تمثل سلطة تهديد لأنفاس الشعوب!. لمزيد من مقالات ◀ د. محمد حسين أبو العلا