أوضحت الجريمة الإرهابية التى ارتكبها أحد العنصريين البيض فى نيوزيلندا وأدت لمقتل خمسين شخصا وجرح العشرات, أن الإرهاب لا دين ولا وطن له, وأنه نتاج لثقافة الكراهية والتشاحن التى تصاعدت فى الفترة الأخيرة, حيث شهد العالم صعود العديد من موجات التطرف ونفى الآخر, كما تجسد فى التنظيمات الإرهابية الدينية العديدة التى وظفت الإسلام لأغراض سياسية, فى مقابل صعود حركات اليمين المتطرف فى الغرب والتى استخدمت المهاجرين والأقليات وغير البيض للهجوم عليها وتوظيفها للوصول إلى السلطة فى تلك البلدان, وأصبحنا أمام حالة من التطرف والتطرف المضاد وكلها تشكل جرس إنذار خطير للمجتمع الدولى كله. فالإرهاب لم يعد يقتصر على منطقة أو بلد أو ثقافة معينة, بل أصبح العالم كله ساحة للإرهاب بأشكاله المختلفة, وأصبح الجميع هدفا للإرهاب, كما أنه لن تستطيع دولة واحدة بمفردها مواجهة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية التى تطور من أدواتها فى القتل والعنف والتفجير وتستخدم كل أدوات التكنولوجيا الحديثة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعى التى باتت منصة لنشر وتغذية ثقافة الكراهية والعنف وتتطلب وضع ضوابط عليها. مواجهة الإرهاب تتطلب تكاتف الجميع فى مواجهة هذه التيارات والحركات المتطرفة والمتشددة والتى تلعب على أوتار القومية, وتنذر باشتعال نار العنف والكراهية, وهذا بدوره يحتاج إلى إبرام اتفاقية دولية شاملة تجرم كل أنواع الكراهية أو الاضطهاد ضد الأديان والأقليات الدينية والعرقية المختلفة, كذلك اتخاذ سياسات رادعة ضد الدول التى تدعم الإرهاب وترعاه وتوفر البيئة الحاضنة له والمنابر الإعلامية التى تبث من خلالها ثقافة الكراهية ونفى الآخر. أيضا يقع دور مهم على المؤسسات الدينية لنشر ثقافة الاعتدال والتسامح والتعايش بين الأديان والثقافات والشعوب، ونبذ هؤلاء الذين يستخدمون الدين لأغراضهم السياسية, ويقومون بذلك بتشويه صورة الأديان. ما حدث فى نيوزيلندا يمثل صرخة وجرس إنذار للعالم كله ويتطلب التحرك العاجل والشامل الذى يتجاوز الإدانة إلى اتخاذ سياسات عملية على الأرض لمحاصرة واحتواء ثقافة الكراهية والعنف قبل أن تحرق الجميع, ونبذ المتعصبين والمتطرفين الذين يخالفون كل قواعد الإنسانية والفطرة البشرية. لمزيد من مقالات رأي