اتسم العقد الأخير بهبوب رياح وعواصف التطرف والإرهاب على العالم، عكسته مئات العمليات الإرهابية وآخرها حادث التفجير الإرهابى بالكنيسة البطرسية بالعباسية, وكذلك موجة العمليات الإرهابية فى العديد من دول العالم. وتتسم هذه الموجة الجديدة من الإرهاب بعدد من السمات: أولها: أنها موجة أكثر ضراوة من ذى قبل, حيث إن ضحايا الإرهاب أضحوا يفوقون ضحايا الحروب النظامية بين الدول وتصل إلى ملايين الأشخاص من القتلى والجرحى واللاجئين, كما أن الغالبية العظمى من الضحايا هم من المدنيين الأبرياء خاصة النساء والأطفال, كما لم يعد الإرهاب يراعى حرمة أماكن العبادة أو غيرها, وهو تحول خطير, فالقانون الدولى الإنسانى الذى ينص على حماية المدنيين أوقات الصراع والحروب, ومنع استهداف المناطق المدنية كالمدارس والمستشفيات, يمكن تطبيقه نسبيا على الحروب النظامية بين الدول, لكن من الصعب تطبيقه على العمليات الإرهابية فى ظل صعوبات معرفة الجانى أو إمكانية ملاحقته وعقابه, حيث يتم استهداف المدنيين واستخدامهم كدورع بشرية وإجبارهم على الاشتراك فى المعارك واستخدام كل أسلحة القتل الفتاكة, وهو ما يشكل إشكالية قانونية دولية تتطلب بلورة قوانين جديدة لملاحقة ومعاقبة هؤلاء عبر محاكم دولية خاصة. ثانيها: لا توجد دولة بمنأى عن خطر الإرهاب, حيث أصبح العالم كله ساحة لممارسة العنف والقتل, فالإرهاب ضرب الدول المتقدمة والنامية على السواء كما حدث فى الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبى وتركيا والعديد من الدول العربية مثل مصر والسعودية والعراق واليمن وسوريا وليبيا وتونس, وأصبح الإرهاب أحد أخطر مصادر تهديد السلم والأمن العالميين منذ انتهاء الحرب الباردة, ورغم قرارات مجلس الأمن والاتفاقيات الدولية العديدة بشأن الإرهاب إلا أنها لم تنجح فى القضاء عليه. ثالثها: تمثل الحروب الأهلية فى العديد من الدول العربية مثل العراق واليمن وسوريا وليبيا أحد أسباب تصاعد الإرهاب, حيث يلعب العامل الدينى والطائفى دورا مهما فى تغذية واستمرار تلك الحروب وتصاعد وباء الإرهاب والذى أصبح أحد أدوات الصراع السياسى وحسم المعركة, ومع غياب مؤسسات الدولة فقد أضحت الجماعات الإرهابية أحد الفواعل الرئيسية فى تلك الصراعات مثل تنظيم داعش فى العراق وسوريا وليبيا. وقد أدى غياب الديمقراطية والفشل فى إدارة الصراعات والاختلافات سلميا إلى اللجوء للقتل والتناحر ولعبة المباراة الصفرية حيث يسعى كل طرف إلى الرهان على الحل العسكرى للقضاء على الآخر وهو ما جعل تلك الأزمات غير محسومة وبلا أفق للنهاية والتسوية السلمية. رابعها: هناك علاقة قوية بين التطرف والتشدد وبين الإرهاب, فقد شكل تصاعد موجة التشدد والتطرف فى الكثير من دول العالم بيئة حاضنة لنمو وتصاعد الجماعات الإرهابية, فصعود اليمين المتطرف فى الكثير من الدول الأوروبية يحمل مخاطر كثيرة فى ظل خطاب الكراهية والإقضاء للأجانب من العرب والمسلمين, وتصاعد نزعات طردهم مما يهدد بظهور جماعات إرهابية تمارس العنف المادى ضد المهاجرين واللاجئين, وهو ما يؤدى إلى دوامة من العنف. كما أن صعود التيارات الشعبوية والنزعات القومية, نتيجة للفشل الاقتصادى للأحزاب والمؤسسات التقليدية, والذى عبر عنه فوز الرئيس ترامب فى الولاياتالمتحدة وخطابه المعادى للمسلمين والمهاجرين, وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى, يغذى أيضا موجة الكراهية ضد الآخر ويشجع على نمو الإرهاب والصراع بين الحضارات والثقافات مما يقود العالم إلى حالة من عدم الاستقرار التى توظفها التنظيمات الإرهابية. خامسها: أثبتت تجربة العقد الأخير أنه لا توجد دولة قادرة بمفردها على مواجهة واستئصال هذا السرطان, مع تطوير الجماعات الإرهابية لتكتيكاتها واستخدام الإنترنت والتقنيات الحديثة فى عملياتها, وبالتالى مواجهة الإرهاب تتطلب تكاتف كل الدول فى إطار جماعى وتحت إشراف الأممالمتحدة ووضع اتفاقية دولية جديدة لتعريف الإرهاب وسبل مواجهته. كما أن المواجهة الأمنية التى تعتمد على الأسلحة التقليدية كالطائرات والدبابات لم تعد تجد نفعا فى ظل حرب العصابات والشوارع وقدرة الإرهابيين على الاختباء والتسلل والهجوم, وهو ما يتطلب الاعتماد على الجانب المعلوماتى لمعرفة خريطة الإرهابيين وتدريب قوات خاصة للتعامل معهم والقضاء عليهم وتبادل المعلومات بين الدول لمنع تسللهم عبر الحدود. سادسها: تشكل المواجهة السياسية والثقافية أحد أهم أدوات مواجهة الإرهاب والتطرف من خلال تكريس الديمقراطية وحكم القانون ومبدأ المواطنة القادر على استيعاب جميع الاختلافات العرقية والدينية والطائفية والسياسية, وكذلك تدعيم ثقافة التسامح والتعايش وإدارة الاختلافات بطريقة سلمية, فالاستبداد والإرهاب كلاهما وجهان لعملة واحدة, كما أن التعجيل بتسوية الصراعات فى ليبيا والعراق وسوريا بشكل توافقى يشمل الجميع, ممن لم تلوث أيديهم بالدماء, هو السبيل لتجفيف بيئة الإرهاب والتطرف فى المنطقة. مع انتشار وتهريب الأسلحة ولعبة الاستقطابات الدولية والحرب بالوكالة وتغذية الصراعات وغياب معايير العدالة الدولية وانتشار الفقر وتراجع التنمية وتصاعد موجات التطرف الدينى والقومى, فإن رياح الإرهاب المقبلة ستكون أكثر شراسة إذا لم يستيقظ العالم ويتعامل معه بشكل عاجل وجذرى. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد