الكاتب الأمريكى هنرى ديفيد ثورو له اقتباس شهير قال فيه إن «الكتب هى ثروة العالم المخزونة وأفضل إرث للأجيال والأمم» وإلا فكيف لأى حضارة إنسانية أن تضمن لنفسها موطئ قدم فى حيز التاريخ ، دون أن تستند إلى العلوم والآداب التى تحملها الكتب. ومع كل عام تتركز احتفالات العالم باليوم العالمى للكتاب الذى يوافق 23 أبريل من كل عام حول التشجيع على القراءة والاحتفاء بالكتب. فبقدر ما تعد الكتب وسيلة مهمة لنقل المعارف والإبداع، ومرآة عاكسة للتنوع الثقافى للبشرية؛ بقدر ما تعد مستودعا للتراث غير المادى الذى يجب الحفاظ عليه وحمايته بشتى الطرق. وهو ما ذكرنى بموقف فرنسا من باعة الكتب هناك ، فباريس هى المدينة الوحيدة فى العالم التى يتدفق فيها نهر(السين) محاطا بصفين من الكتب، حيث تبرز صناديق باعة الكتب القديمة هناك وخيامهم الصغيرة التى أصبحت تشكل ركنا أساسيا من الثقافة والسياحة الفرنسية. مع غزو الانترنت وانتعاش التجارة بتلك المنطقة باتت مهنتهم مهددة، وأدركت وزارة الثقافة الفرنسية ذلك فاتخذت قرارا سريعا لحماية جزء مهم من هوية وتراث المدينة، معلنة فى مطلع العام الحالى ضمهم إلى التراث الثقافى الفرنسى غير المادي، مشيرة فى تصريحات احتفت بها الصحف الفرنسية إلى أن مجلس باريس دعم الطلب الذى قُدم له من الباعة وأنها تعتبرهم جزءا لا يتجزأ من الروح الثقافية لمدينة النور. وأكدت الوزارة أنها تعد حاليا ملف الترشيح لعرضه على منظمة اليونسكو، وقد أعرب الكثير من باعة الكتب عن فخرهم بما اعتبروه إعادة اكتشاف واعترافا بمهنتهم يسمح للعالم برؤيتهم بشكل مختلف، متعهدين بأنهم سيأخذون مهنتهم بجدية أكثر. عندما علمت ذلك لم أستطع إلا أن أربطه بأسواق الكتب النادرة وشوارعها فى مصر من شارع النبى دانيال بالإسكندرية مرورا بأسوار الكتب فى طنطا والسيدة زينب وحتى سور الأزبكية الذى لاقى اهتماما محمودا فى الفترة الأخيرة من الشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة (عاصمة الكتاب العالمية لهذا العام) الذى بادر مشكورا بإعلان دعمه تطوير سور الأزبكية، كما أن الدولة أعلنت بالفعل أن لديها خطة لتطويره. لقد لعبت تلك الأسواق دورا مهما فى التشجيع على القراءة بما توفره من كتب مستعملة كانت بوابة الكثيرين لاستكشاف عوالم القراءة مما جعلها بمنزلة مكتبات شعبية مفتوحة دائما لينهل منها محبو القراءة والبحث ويستكشفون خلالها كتبا نادرة بأسعار فى متناول اليد ..فهل نطمح أن تهتم وزارة الثقافة المصرية على غرار مثيلتها الفرنسية بتطوير تلك الأسواق الثقافية التراثية وتوثيقها لدى اليونسكو ضمن التراث الثقافى المصرى غير المادي، خاصة أن هناك تجربة سابقة ناجحة خاضها بمبادرة شجاعة د. نبيل بهجت، أستاذ المسرح بجامعة حلوان فى توثيق الأراجوز. ولاشك أنه مع تطوير وتوثيق تلك الأسواق التراثية وقصرها على باعة الكتب المستعملة والنادرة من غير المتورطين فى قضايا التزوير والقرصنة، فإن ذلك من شأنه أن يعزز من وضع مصر الثقافى داخليا وخارجيا خاصة مع انضمام القاهرة بالفعل لشبكة المدن الإبداعية باليونسكو.