تقدم الدول يقوم على أمرين متلازمين هما السلام والتنمية. إفريقيا القارة الصاعدة الواعدة التى بمواردها الطبيعية والبشرية والمادية تسير نحو مستقبل يضعها ضمن القوى الكبرى تحتاج لكليهما بعد ما عانت من حروب وصراعات، والمرأة لها دور كبير فى تحقيق كليهما. سبق أن أشرنا الى دورها فى التنمية، ونشير بإيجاز إلى ملامح من سجلها المشرف فى حماية وإحلال السلام: فى ليبيريا عندما تدهور الصراع إلى مذابح بشعة، وانهارت كل مظاهر الحياة واندلعت حرب ضارية، خرجت مارى براونل, المدرسة المتقاعدة, بفكرة إنسانية مبتكرة مؤداها تشكيل جماعة ضغط نسائية، تعلن صوتها عاليا ضد الحرب، وتم تشكيل المبادرة النسائية الليبيرية كى تناشد الأطراف المتحاربة مباشرة بوقف نزيف الدماء، وحضور مباحثات السلام.. ونجحت الحركة فى إيجاد رأى يدعو للسلام. وفى رواندا عندما قام الصراع القبلى المرير بين التوتسى والهوتو الذى قتل 800 ألف شخص لم تقف المرأة الإفريقية ساكنة. أنشأت مركز السلام النسائى الذى قام بحركة نسائية تدعو إلى ثقافة القبول والتسامح، وتقوم بتدريب النساء على تولى بعض مراكز القيادة، كما تنظم زيارات بغرض تشجيع الروابط بين النساء العائدات إلى الوطن بعد نزوحهن أثناء الصراع، أو اللاتى ظللن فى البلاد. ونظم المركز أياما للتضامن بين نساء المجموعتين حتى يتبادلن فيها الهدايا ويقمن معا بأغنيات وطنية. فى أيام التضامن هذه تتعاون النساء فى زراعة الأرض التى حصلت عليها الجمعية للعائدات من المنفى فى محاولة لتأكيد السلام بينهن، وإشاعة الإحساس بأنهن مرحب بهن فى وطنهن. وتروى السيدة بازيليا نيزويجاما من قبائل توتسى تأثير برنامج حركة المعونة فى بوروندى عليها، وأنها بعد أن قضت سنتين لاجئة فى تنزانيا، وسنة فى مخيم بوروندي، عادت فى النهاية إلى بيتها، حيث أعاد برنامج AAB Program بناء بيتها عن طريق أقاربها وأصدقائها وأعضاء المجتمع من سكان ينتمون إلى قبيلتى توتسى وهوتو معا على حد سواء. وتقول: إنى أشعر بالذهول، فمن دمروا بيتى لأنى من توتسى هم أنفسهم الذين أعادوا بناءه، والآن فإنى أساهم فى بناء منازل لأناس آخرين، تقديرا لمساعدتهم لى، وهكذا بدأت سلسلة العون والقبول المتبادل. فى السودان قادت السيدة ريبيكا أكواسى مندوبات نسائيات لعقد اجتماعات مع مسئولى التوسط لإيجاد تسوية بين الأطراف المعنية بفض الصراع، ومع الأعضاء المفوضين للتباحث فى عملية السلام بين الحكومتين، عملت المجموعة فى منظمات ريفية ومع سلطات سياسية، وقامت بتنظيم زيارات ميدانية مع مجموعات من الشمال والجنوب وعقد ورش عمل عن التفاوض بهدف إيجاد حل للصراع، والتوعية بضرورة السلام وأهميته فى معسكرات اللاجئين بالسودان وكينيا، واليوم أصبح معروفًا أن صوت السودانيات المناديات بالسلام قد شجع النساء فى المناطق المتضررة من الحروب على أن يصبحن مشاركات ناشطات فى بناء السلام وإيقاف الحروب الدائرة فى بقاع مختلفة من الكرة الأرضية. وفى كينيا عقب الاستقلال عام 1963، قامت الصراعات بين العشائر، وفى أحد الأيام وبينما كان رجال من عشائر ومجموعات مختلفة أخرى يتقاتلون بشراسة، وجد النساء أنفسهن جالسات معا يحتفلن فى حفل عرس وطرحن على أنفسهن هذا السؤال: إذا كنا نستطيع أن نجتمع فى حالة من السلام فى هذا العرس فلماذا الحرب, وقالت إحداهن: عندما يكون هناك حريق فى بيتى ، فإنى لا أنتظر الرجال لإطفائه، إنما أتولى ذلك بنفسي، وبلدنا الآن يحترق فلنتعاون لإطفاء النيران, وقامت حركة واجير النسائية التى أصبحت الآن رمزا للنجاح. وعند تجنيد النساء للانضمام للحركة، كان يوجه لهن هذا السؤال: إن كانت عشيرة ما قامت بقتل أقاربك هل ستستمرين رغم هذا فى العمل معهم من أجل السلام؟ إذا كنتى لا تستطيعين أن تقولى نعم فلا تنضمى إلى الحركة. بعد سنوات من العمل الشاق تمكنت نساء واجير من تخفيف طابع الوحشية الذى كان يسود الحياة، ونجحن فى منع حرب وشيكة عند الحدود مع الصومال وأشادت الأممالمتحدة بدورهن، وطبقا لمبدأ كى تصل للسلام عليك بتعليم السلام قمن بإضافة مادة السلام وتحقيقه فى المناهج المدرسية فى كينيا. والمرأة العربية كافحت من أجل الحرية والسلام، فى الجزائر قدمت بطلات يذكرهن التاريخ مثل جميلة بوحيرد، وتاريخ المصرية فى التصدى لقوات الاحتلال الفرنسية والإنجليزية فى الإسكندرية وغيرها ودورها فى ثورة 19، ثم مساهمتها فى ثورة التحرير فى يونيو. وفى تونس: قامت المرأة بثورة إثر اغتيال بلعيد ونظمت أرملته حركة شعبية تدعو لاستمرار معركته ضد حكم الإسلاميين. وفى موريشيوس, جنة إفريقيا, تفوقت على أوروبا وأمريكا فى تحقيق الأمن والاستقرار والمساواة وحماية حقوق المواطنين وقبول التعدد والاختلاف. ليست دولة إسلامية لكن شعبها انتخب امرأة مسلمة لرئاسته. أثبتت المرأة دورها فى صنع السلام وحمايته فهى تتجاوز الخلافات السياسية والقبلية والشخصية من أجل الأسرة والمجتمع واعترف المجتمع، الدولى بدورها وأصدر مجلس الأمن بمبادرة إفريقية قراره رقم 1325 حول دور المرأة فى تحقيق الأمن والسلام، ويطالب بمشاركتها فى مباحثات السلام. والمرأة بما يكمن فيها من إصرار وصبر وتحمل قوة هائلة لا يجوز إهدارها. ولما كان الاستثمارا فى المرأة استثمارا فى السلام فإن تقدم القارة سوف يصبح أكثر منالا. رئاسة مصر للاتحاد وتقدير الرئيس السيسى لدور المرأة وقدراتها فرصة لا تعوض لقيام نهضة نسائية إفريقية تسهم فى التصدى لمشكلات القارة، وهناك اجتماعات عقدت حول المرأة فى إفريقيا تضمنت عددا من الآراء والمقترحات. اقترح أن تعقد مصر اجتماعا فى رحاب مكتبة الإسكندرية التى جعلها د. مصطفى الفقى منارة للتنوير وتصحيح المفاهيم يجمع بين منظمات القارة والشخصيات النسائية لوضع أسس منظمة للمرأة الإفريقية تستثمر طاقات المرأة ومشاركتها. إن الاستثمار فى المرأة استثمار فى السلام والتنمية.ِ لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا