أتوجهُ إليكم بمحبّةٍ كبيرة وبتحيةٍ فصحية وأُهنئكم بعيد قيامة المسيح من بين الأموات، حامِلاً إليكم صوت ابتهاج وفرح الكنيسة مع كلمات مريم المجدلية، أول من التقى المسيح القائم من الموت صباح أحد القيامة، عندما هرعت إلى التلاميذ وقالت لهم بقلب يخفق بالإيمان والرجاء: لقد رأيت المسيح «يوحنا 18:20». بعد عبورنا صحراء الصوم وأسبوع الآلام العظيم، نحن أيضاً مع النسوة والرّسل نُرنّم اليوم انشودة الظفر قائلين: المسيحُ قام من بين الأموات «متى 7:27». المسيح قام من بين الأموات وأصبح باكورة للراقدين. فكما أنه فى آدم يموت الجميع، كذلك فى المسيح سيحيا الجميع «قورنتس الأولى 20:15-22». وبما أنه، بقيامتهِ المجيدة، لم يرجعْ إلى حياة إنسانية بشرية اعتيادية فى هذا العالم، كذلك نحن بقيامةِ قلوبِنا لحياةٍ جديدة فى نظرتِها ومسالِكَها وأفعالِها، علينا السعى بنعمته إلى عيشٍ جديدٍ يُخرجنا من حياتنا وعاداتنا القديمة ومن تجربة الرجوع إلى الوراء. قيامةُ القلوب هذه، فى حياة الدنيا، هى التى تؤدى بنا إلى القيامة الحقيقية النهائية، نفساً وجسداً، لمجدِ السماء. عيد القيامة يفتح لنا أبعاداً جديدة وأُفقاً واسعة لا حدود لها، لأن المسيح بقيامته أعاد خلق العالم من جديد وأعاد اليه النقاء والطهارة. ففى كل مرة نحتفل بالقيامة يجدّد المسيح حياتنا ويدعونا لنجدد شراكتنا معه، لذلك تبدأ طقوسنا مساء سبت النور فجر الأحد معلنةً أن ملك المجد قام من بين الأموات وانتصر على الموت والشر، ناشراً الفرح الفصحيّ ليتمكن الإنسان بدوره أن يستكمل بناء مجتمع جديد مسالم مبنى على المحبّة والسلام والعدالة والأخوّة والتفاهم بين الناس. مع المسيح ملكُ المجد والقائم من بين الأموات، ندخل الكنيسة هاتفين: المسيح قام من بين الأموات ووهب الحياة للذين فى القبور. إن هذا اليوم هو يوم القيامة، يوم فرح وابتهاج، يوم يَفيض نوراً وحياةً، لأن المسيح بقيامته عبر من الموت إلى الحياة ومن الأرض إلى السماء، وفتح لنا أبواب الملكوت السماوي. إن خبرة مريم المجدلية هى خبرة كلّ واحدٍ منّا يلمسُ حُبّ المسيح، بصلاتهِ وابتهالاتهِ، بحياتهِ وعملهِ، بعلاقاتِهِ العائلية والاجتماعية. فلقاؤنا مع المسيح يبدّل حياتنا، ويجعلنا نولد من جديد، يحررنا من كل قيد يكبلنا، ويشفينا من جروحاتنا ويعيد لنا نعمة البنوّة والكرامة ويمنحنا قوةَ التوق إلى القداسة والبرّ والخير. كما تحوّل خوف مريم المجدلية وبكاؤها إلى فرح كبير عندما كلمّها المسيح وناداها باسمِها، عندما سمعها تناديه: رابُّني! يا مُعلِّم «يوحنا 16:20»، هكذا نحنُ عندما نُصغى إليه ونسمع نداءه ينادينا باسمِنا، حينئذٍ تُفتح عيوننا وقلوبنا ونكتشف سرّ قيامته فنعرفه ونناديه: يا مُعلِّم، وهو بدوره يجذبنا إليه، فتولد حركة حبّ بيننا وبينه وحركة مصالحة وشركة معه، فيكشف لنا ضعفنا ونحن بدورنا نكتشفُ فقرنا إلى حُبّهِ وحنانهِ ورحمتهِ. إن المسيح يعاملنا كما عامل مريم المجدلية ويُجدّد كل يوم نشيد حبِّهِ لنا، ينادينا، يتكلم معنا ويُحبّنا دون شروط ولا حدود. هذا الشعور يجعلنا محبوبين من الذى قام من بين الأموات هو وحده يجعلنا أقوياء منتصرين على الخطيئة والموت. من خلال آلامه وموته أخذ الألم والموت معنى جديدًا، ينبع من بريق فجر القيامة. فالشُّكرُ للهِ الذى أتانا النَّصرِ عن يدِ المسيح، «قورنتس 57:15». بقيامةِ المسيح تَتجدّد قلوبنا ونتجدّد شخصياً ونجدّد نهج حياتنا. نُجدّدُ نظرتنا ورؤيتَنا المنفتحة نحو آفاقٍ جديدة. نُجدّدُ قوانا ومقاصدنا. والتجدّدُ يقتضى منّا الخروج من ماضٍ وضعنا فى نوعٍ من الكسل والخمول فقدنا فيه العطاء وخدمة الآخر والاهتمام به. الرّوح القدس الذى وُهِبِ لنا بقيامة المسيح من الموت، هو قوة وسبب حياتنا: يُفعِّلُ فى داخلنا كلمة الانجيل، يُحيى نفوسنا بثمار الفداء، يقودُنا إلى الحقيقةِ كلها، ويُّثبّتنا فى الإيمان والرجاء والمحبّة. فى عيد القيامة نُكرّس النور، الذى يرمز إلى المسيح نور العالم «يوحنا 12:8»، نور المجد، نور الإنسان الذى بنورِ قيامةِ المسيح ينال حياة جديدة. إن سرّ الفصح يكمن فى سرّ نور المسيح القائم، فنجمة بيت لحم التى قادتنا إلى المغارةِ ليلة عيد الميلاد وأعلنت تجسّد المسيح، لم تنطفئ ولم تقو عليها ظلمات القبر الذى وُضع فيه المسيح، والشمعة التى نُضيئها فى صلاة سبت النور ونحن نُنشد قائلين: هلمُّوا خُذوا نوراً من النور الذى لا يغرب، ومجدوا المسيح الناهض من بين الأموات، تُعلن اليوم الانتصار والغلبة. قيامةُ المسيح، تُبشِّر البشرية بحياةٍ جديدة تهتدى بنورِ البحث عن الحقيقةِ والبِّرِ والجمال، عن الحُبِّ والغفران. قيامةُ المسيح، أعطتنا طاقة رجاء ووثبة حياة أمام الحروبِ والمحنِ والصعوباتِ والهمومِ والمشاكلِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعية التى نعيشها اليوم فى الشرقِ الأوسط وفى العالمِ أجمع. إنها طاقة نور تتوهج فى قلبِ كلِّ مُحبٍّ لوطنهِ وعائلتهِ وكنيستهِ ومجتمعهِ ولعملهِ ورسالتهِ فى هذا العالم. إنها طاقة النعمة التى تملأ حياة آبائنا وأمهاتنا وأولادنا وشبيبتنا، وحياة كلِّ فقيرٍ ومحتاجٍ ومهمش ومريض ومنبوذ. قام المسيح ومنحنا حياةً جديدةً مملوءةً بالإيمانِ والرجاءِ والمحبّةِ والرحمةِ. قام المسيح وهدمَ العداوة والبغض والحقد والكراهية والحسد وجعلَ السلام فى قلوبِنا وحياتِنا. قام المسيح وفَتحَ لنا باب الملكوت، الحقَّ أقولُ لكَ: ستكونُ اليومَ معى فى الفِردَوس «لوقا 43:23». قام المسيح وأزالَ الحزن والخوف واليأس من حياتِنا وأفاضَ فينا الفرح والسعادة والابتهاج. قام المسيح فغُفِرت خطايانا وأصبحنا نتمتّع بوفرةِ القداسةِ والصلاح. أتمنّى لكم من جديد فصحاً مجيداً، وأطلب منكم أن تحملوا لعائلاتكم ومجتمعكم البُشرى السارة بأن المسيح الذى هو سلامنا ورجاؤنا قد قام من الموت. المسيح قام... حقاً قام. ----------------------------- أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك لمزيد من مقالات المطران كريكور أوغسطينوس كوسا