يبدو أن ابتلاء الفقر مكتوب على أحيائنا فى كل مكان حتى فى بلاد الهند. كنت أتجول فى بداية الرحلة ومعى «إسدال» الصلاة، وكلما زرنا مسجدا، وجاء وقت الصلاة أرتدى الإسدال، وقبل أن أبدأ الصلاة وأرفع يدىّ الله أكبر، يلحق بى «الحاج أنور»، مرشد الرحلة وينبهنى بأن هذا المكان للزيارة فقط! وأنه مكان سياحى مثله مثل الأهرامات، و إذا أردنا الصلاة ففى الأتوبيس أو فى أحياء يكون فيها مسجد غير أثرى! حقا له فى خلقه شئون! أكتم الضحكة بإسدال الصلاة وامضى. تكرر هذا ونحن نخترق شوارع «المتاهة»!! التى تمر عبر المساجد الأثرية، وبجانب «قطب مينار» أطول مئذنة مبنية بالطوب فى العالم! على ارتفاع 72 مترا، إلا أنها لم تسع لى ساجدة، فالطقوس الدينية لها أماكنها، وتلك المئذنة التى تشبه المسلة الفرعونية، بناها عام 1183 من الطوب، حاكم الهند الإسلامى الأول، قطب الدين إيباك، وتم الانتهاء من طابقها العلوى فى عام 1386، على يد فيروز شاه توغلوك. تلك البنايات والآثار القديمة والوسطى تعرف باسم «مجمع قطب»، وهذا المجمع مدرج كموقع للتراث العالمى لليونسكو. ظللت أحمل إسدالى فى يدى وقبل صلاة العصر وجدت «الحاج أنور» يعلن فى ميكروفون الأوتوبيس السياحى أننا نقترب من جامع جاما، المبنى من الحجر الرملى الأحمر، وهو على قمة تل، وهو المسجد الأكثر أناقة فى الهند!، وهنا ستخلع فيه الأحذية وستوزع علينا إسدالات صلاة، ولا دخول إلا بالحجاب! وحمدت الله أن «إسدالى معى»، وأخيرا سوف أدخل مسجدا للصلاة، لكن الجامع ليس غريبا، فهو يشبه جامع «الحاكم بأمره» فى شارع المعز! أخذت أبحث بين فقراء المسلمين عن مكان للصلاة مخصص للنساء لكننى لم أجد، حتى عطف عليَّ واحد من حراس المكان مقابل مبلغ من المال، فسمح لى بالصلاة!، وبمجرد أن أتممت صلاتى، فرحت لأننى ركعت وسجدت فى المسجد المهجور إلا من الزائرين، وكأنه ساحة مولد وفرحة وهيصة لمجتمع إسلامى هندى، وجدت سيدتين تنظران إلى بدهشة وانبهار، وأنا أصلى كأنهما تتابعان مشهدا سينمائيا. وقبل أن أتوقف فى محاولة للاستفهام، شدنى الحاج أنور لنركب الدراجة فى حى الفقراء حول الجامع الكبير! إنها «دراجة الريكشا التقليدية»، اثنان ورا وسائق فقير هندى يبدأ عمره من الخامسة عشر، ويمكن أن ينتهى فى الستين أو أكثر، ومدام هو قادرا على «جر» الحمولة فليعمل! وإلا سيكون مصيره مثل من رأيناهم فى الحى المحيط بالجامع، وأصحاب المتاجر الشديدة التواضع والذين يطعمون الأشد فقرا وهم يجلسون القرفصاء، بشرتهم وملابسهم بلون الفحم!، مثل عمال مناجم فى القرون الوسطى فى الأفلام الوثائقية، ويمسكون أطباقا بنفس اللون يجلون صفوفا على الرصيف! وعمار يا مصر والحمد لله. عدت بالذاكرة أيام عصور القرون الوسطى فى أفلام وقصص «تشارلز ديكنز» وفيكتور هوجو، وموليير وفولتير، وأفقت من دهشتى ودراجة ريكشا أخرى تركب فوق ريكشتنا، وقائدها يبتسم ويقول: «ناما ستيه»! ظننت أنه يقول: «لا مؤاخذة»!! ولكن معناها.. أنه يرى نور الله بداخلي!. لمزيد من مقالات دينا ريان