يقترب رمضان فتتسابق القنوات التليفزيونية بعرض مسلسلات بغرض الترفيه ولا أحد ضد الترفيه ولكن هل ما نعبئ به خيال المشاهدين يدفع أيا منهم إلى فهم نفسه او ظروف بلاده أوتوقظ فيه مشاعر راقية. من المؤكد أن مسلسلات التليفزيون ليست خطبا تعظ وتخيف, بل والحتمى أن تؤدى دور الفن فى الحياة وهو الارتقاء بها, وتنقية الوجدان من شظايا تدمير الحياة, ولعل مدفعية هدم النفس البشرية تبدأ بقصف الوجدان المجتمعى بكم العنف ومشاهد البحث عن الثراء بأى طريق وتقديس اللذة من أقصر طرق الحصول عليها. وارجو ألا يفهم أحد كلماتى هذه على أنها دعوة للصيام عما يمتع الروح بعد ساعات الصوم عن الطعام والشراب, ويمكن لمن رأى وشاهد مسلسلات أسامة أنور عكاشة أو مسلسل أم كلثوم أو بوابة الحلوانى أو إبداع بونابرت فى مصر أوعظمة أداء الضاحك القادر على إبهاج القلب بمتعة الضحك بفكرة ما الكبير عادل إمام او المبتهل اليقظ يحيى الفخرانى فى روائع اختارها وأداها الجليل حقا وصدقا يحيى الفخرانى أو العمدة الذى استخرجه أسامة انور عكاشة من عمق موهبة لا نهاية لحدودها هى موهبة صلاح السعدني، وليعذرنى كبار ما أضافوا لرمضان صياما عن الركاكة من عباقرة الأداء الفنى الذى يضيف للروح رقيا وابتساما وعمق فهم لمعنى الوجود الإنساني, ليعذرنى الكبار من المخرجين والكتاب فلست انسى على سبيل المثال ما اضافه ممدوح الليثى من إنتاج محترم مؤسس قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى ولا إضافات حسن حامد الذى أبدع فى ملء أيامنا بالوعى المبهج عبر قنوات التليفزيون التى حملت اسم النيل, ولا ننسى تأسيس مدينة الإنتاج الإعلامى التى مثلت دور هوليوود الشرق الاوسط. ثم جاءت الهزة التى دفعتنا إلى عدم التمييز عبر ارتجاجات وارتجافات ثورة يناير التى كان خصوم الإبداع المصرى أكثر انتباها لخطورة بيوت الإبداع سواء فى ماسبيرو او مدينة الإنتاج فتم حصار الإبداع لنغرق عيوننا فيما يسرق جودة الرؤية وعمق الفهم لحياتنا, وحرمنا انفسنا من تجويد الإنتاج التليفزيونى المبدع لنغرق فى تفاهة ولا اريد ان اقول صرنا نبتذل الوقت فى التافه الذى نتناقل اخباره على ان إنتاجا يتكلف ملايين بينما كان الغرض الاساسى هو زيادة نجومية لمن لا تستحق حتى مجرد الوقوف على أعتاب مسلسل ضمير ابلة حكمت للرائعة الراحلة فاتن حمامة. وصار تكالب المحترفين على مسلسلات شبه بوليسية يقتتل فيها الاخوة ونساء الاسرة الواحدة من نساء صعيد مصر النقى مما يلقيه فى وجوهنا من يقال عنهم إنهم منتجون. وطبعا يكون الهم الشاغل للمسئولين عن القنوات التليفزيونية هو زيادة رصيد كل مسلسل من الإعلانات التى تشوش على المشاهد متعة المتابعة. ورحم الله اسامة انور عكاشة عندما هدد بالتوقف عن الكتابة للمسلسلات إن استمر تدمير ما يبدعه بتلك الدقائق الإعلانية التى تسرق المتابعة لما اراده من مشاهد متتالية ولولا ذكاء ممدوح الليثى الذى شرح له أهمية وحود دقائق إعلانية تتيح لقطاع الإنتاج مواصلة الأعمال التى تتطلب الملايين لإنتاجها, فوافق اسامة انور عكاشة على مضض، لكن المبدع الكبير رحل قبل ان يكمل رؤيته لجذور تطورنا بمسلسل المصراوية والجزء الذى أبدعه كان قطعة من الفن التليفزيونى الراقى بغير حد. وكثيرا ما عاتبت الراقى الرقيق محفوظ عبد الرحمن لانه لم يواصل ما بدأه من التاريخ الاجتماعى فى مسلسل بوابة الحلواني. وإذا كنا قد غرقنا فى بئر لعنة كل ما جرى فى سنوات ما قبل ثورة الخامس والعشربن من يناير,فهل يعنى ذلك ان نهيل التراب الذى شاء ان يدفننا تحته التأسلم الكذاب فى العام الاسود من حكمهم الملعون؟ ام اننا سنحقق ما هدفت إليه شراذم هدم الوعى الذين حاصروا مدينة الإنتاج الإعلامى وصرنا نواصل صعق الصدق فى الإبداع الذى ينير القلب والعقل ويبهج النفس من الفن الراقي؟ وإذا كنا فى الطريق إلى تعديلات دستورية بهدف تجويد الاستقرار الذى تلمسنا بداياته, فهل نضن على انفسنا بإبداع فنى يثبت موسيقى وقع خطواتنا إلى الاهداف المرجوة؟ ولاداعى ان نظلم العقول الشابة فى معاهدنا الفنية بان نقول ليس عندنا مؤلفون كبار كالذين رحلوا فالثابت ان يحيى الفخرانى قدم لنا كاتبا كبيرا فى حجم عبد الرحيم كمال الذى قام بتعريب إحدى معجزات شكسبير وهى الملك لير ومازال عادل إمام يستخرج من قلم يوسف ابو المعاطى ما يدفع ابتسامة تلمع بالافكار. وما زال لنا دين فى رقبة المبدع المحترم وحيد حامد وهو استكمال تتبعه لرحلة خنق الوجدان عبر مسلسل الجماعة الذى لم يكتب سوى فصلين منه وأدعى لنفسى انى اعلم عمق رؤية وحيد لاحوالنا التى انتجت هذا الكذب المرتدى مسوح الدين. وأثق أن من المسئولية إنقاذ موهبة مثل موهبة محمد رمضان فلا نتركها فى زورق غرور صاعق بل نركب لموهبته أقداما تجعله يخرج من ركاكة إبداع للقسوة الاجتماعية ونحميه من دوامة سرقت منا موهبة عملاقة هى المشنوقة بحبل مجدول من تنويعات على شخصية اللمبى واعنى بها موهبة محمد سعد. ولا ادرى لمن أتوجه بالنداء للإفاقة من بئر الهزل المرتدى ثياب الفن والمتوقع ان يغرقنا فيه ابتذال يدعى انتماءه للفن والفن منه براء. ولكن عقلى وقلبى يتجهان إلى بيت إبداع الفن والفنانين وهى اكاديمية الفنون وهى تحت قيادة نثق جميعا لا فى اتساع قماشة مواهبه فقط بل بتفانيه فى تجويد ما يتصدى له وهو الفنان أشرف زكي، فباسم الاكاديمية بفروعها يمكن إقامة ورش فنية تواصل كتابة الناقص من حكايات المصراوية وبوابة الحلوانى ولنضع إمام المبدعين الشباب تاريخ الجبرتى على سبيل المثال لا الحصر لنستخرج منه مسلسلات تواصل إبداعا وصلنا عبر بونابرت والمحروسة تلك السمفونية المرئية التى سبق ووصلتنا فيما سبق عبر قلم لم نشهد له تواصلا هو قلم عزة شلبي. إن الفن الراقى لا يحقق الثراء المادى فقط ولكنه يحقق لنا ثراء احترام النفس عندما نحرص على الا تتحول رءوسنا إلى سلة مهملات للركيك الذى يسمى نفسه مسلسلات تليفزيونية. لمزيد من مقالات ◀ منير عامر