تلقيت دعوة كريمة من جريدة بالأهرام» والجامعة البريطانية فى مصر لحضور احتفال المؤسستين بمناسبة مرور مائة عام على الثورة المصرية الأم، ثورة 1919. وكان الاحتفال فى مقر الجامعة فى منطقة الشروق، شرق القاهرة، وهى الجامعة التى افتتحت منذ 14 عاما. وكنت سعيدة بالاحتفال لأنى اصبحت اتصور مع الوقت أن جهة ما فى مصر، جهة لا أعلمها حقيقة، غير مقتنعة بما نقوله عن هذه الثورة الأم. هكذا يستدرجنى سوء النية والشك. جهة ما، تجعلنا نتساءل، هل يمكن ان تحتفل الجامعة الأمريكية والأخرى البريطانية وكلية آداب جامعة بنها وقسم التاريخ فى كلية أداب جامعة المنيا بهذه المناسبة الوطنية الفريدة، فى حين لم تتحرك جامعة القاهرة التى خرج منها الطلبة ليشعلوا شرارة هذه الثورة الأم عام 1919؟. كيف نفسر عدم احتفال الجامعة الأم، التى كان تأسيسها جزءا من الحركة الوطنية المصرية، بالثورة الأم التى هى حلقة مهمة من حلقات الحركة الوطنية المصرية هذه، بل وربما من أهمها وفى مقدمتها. وعندما تحتفل الجامعة البريطانية فى مصر، وأى جامعة اخري، بهذه المئوية الوطنية المهمة فإنها تؤدى دورا مهما لابد ان تؤديه كل الجامعات المصرية وكل المؤسسات التعليمية، بل ومعها كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية فى البلاد فى غرس الوعى والعلم والمعرفة فى عقول وضمائر الشباب، بحيث يعرفون، بمنهاج علمي، حقيقة تاريخهم الوطنى الذى صاغه آباؤهم واجدادهم من اجل قيام هذه الدولة التى ينعمون بخيراتها. فيزداد وعيهم بهذا الوطن وينمو فيهم إحساس وقيمة الانتماء الوطنى بما يدفعهم للعمل وللكفاح من أجل إكمال ما بدأه الأباء والأجداد وكذلك الأمهات والجدات. لذا أتعجب كما قد يتعجب معى الكثيرون ممن يهتمون بالحركة الوطنية وبقضايا الشباب ودورهم فى الحياة الوطنية العامة، ثم أتساءل هل انتهزت الأجهزة والمؤسسات المعنية بالثقافة والعلم هذه المئوية العظيمة بحيث شعر هؤلاء الشباب أن لهم تاريخا قريبا لابد ان يستكملوا حلقات تطوره، كما يستمرون يسمعون عن تاريخهم القديم الذى بنيت فيه الأهرامات والمعابد. اعلم ان المجلس الأعلى للثقافة نظم احتفالية جيدة ولكنها تستمر احتفالية قاهرية لم يستمع لها إلا هؤلاء القاهريون الذين يستمتعون بكل شيء. كما أعلم ان مكتبة الاسكندرية قد أصدرت عددا خاصا لمجلتها الجميلة التى تهتم بالتراث والتاريخ. ولكن يستمر اكثر ما أبهجنى كان تلك السلسلة من الكتب التى أصدرتها هيئة قصور الثقافة عن الثورة الأم وطرحتها فى معرض الكتاب. وهى المجموعة التاريخية التى حطمت تلك الأفكار غير الحقيقية التى يطلقها البعض عن الشباب المصرى، « دول ما بيحبوش القراءة». فقد اثبت الشباب أنهم يحبون القراءة والمتابعة ويقبلون عليهما بشرط جودتهما وتوافرهما بأسعار معقولة فى هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. لقد شكل الشباب طابورا طويلا امام منفذ بيع هيئة قصور الثقافة فى معرض الكتاب حتى نفدت المجموعة منذ اليوم الأول، مما اضطر الهيئة لإعادة طبعها، ومما اضطرنى شخصيا لأن الجأ إلى صديقة تعمل فى الهيئة للحصول على نسخ منها. إذن فالشباب ليس على هذه الدرجة من السلبية واللامبالاة خاصة فيما يخص تاريخ بلادهم. وحتى الأحزاب المصرية، التى اخذت موقفا سلبيا من الاحتفالات وتركتها لحزب الوفد بالرغم من ان ثورة 1919 كانت ثورة عموم المصريين من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، وكذلك بالرغم من ان حزب الوفد كحزب سياسى تأسس بعد الثورة بسنوات، أى بعد ان صدر الدستور وجرت الانتخابات وتشكلت اول وزارة بالانتخاب من سعد زغلول. فالثورة هى التى أنتجت حزب الوفد وليس العكس. ومع ذلك أصدر حزب الوفد كتابا مصورا جميلا يحمل صورا تذكارية يحتاجها الشباب ليستكمل بها كل المعرفة التى تصله من الاصدارات. لا يجب تصور انه الحزب، كحزب، هو الذى قاد الثورة فى حين يجب تأكيد أنها ملك كل الساحة السياسية المصرية، ولابد ان نتحرك ونتصرف على أساس أن هذه الثورة الأم هى ثورة كل المصريين وجموعهم، وسوف تستمر كذلك. لذا لابد هنا من المرور على مناهجنا التعليمية التى تشكل رؤية شباب مصر المستقبلية وكيف تتناول التاريخ الحديث لمصر. فى احد البرامج التليفزيونية سأل المذيع أحد الشباب تعرف سعد زغلول؟ أجاب الشاب بسرعة مين ده؟ وأثناء وجودى فى سيارة أجرة متجهة الى المجلس الأعلى للثقافة ادار السائق رأسه الى سائلا عن التمثال المقام بعد كوبرى قصر النيل مين الراجل ده؟ قد نتناول الموقفين باستخفاف ولكننا لا يجب ألا نتناول الوضع فى منتهى الجدية لأنه ليس حالة فردية، مع شاب فى الطريق او مع سائق سيارة أجرة، ولكنه قد يكون عاما، وهو فعلا عام، لأننا كدولة لم نتبع الاسلوب الوطنى الجاد فى تدريس تاريخنا الحديث فى مناهجنا قبل الجامعية، كما أننا لن نتدخل فى وضع المناهج التعليمية فى المؤسسات التعليمية التى تحمل جنسيات مختلفة فى مصر بما أدى الى أن شبابنا لم يعد يعرف تفاصيل الحركة الوطنية المصرية التى باستمراريتها استطعنا امتلاك قناة السويس أو بناء السد العالى ولا حتى بناء قناطر اسيوط الجديدة على سبيل المثال لا الحصر. لا يولد الوعى مع الإنسان لحظة ولادته ولكنه يغرس فى المواطن بالمعرفة والتعليم والإعلام المتابع للتطورات خاصة تطورات الحركة الوطنية التى تبعث فى ظروف معينة لتطالب بالاستقلال الوطنى وطرد المستعمر المستغل للخير وللبشر. ولابد للمواطن ان يكون على علم بتفاصيل هذه الحركة الوطنية وظروفها ونتائجها وسلبياتها وإيجابياتها وصراعاتها وشهدائها ليتعلم الدروس المستفادة التى تجعله دائما محصنا بالقدرة على صد اى عدوان على بلده سواء من الداخل او من الخارج. فى كلمته فى الاحتفال بتكريم النساء المصريات ربط الرئيس عبد الفتاح السيسى بين نهضة المرأة المصرية وبين ثورة 1919، لذا آن الآوان ان تحتفل مؤسساتنا التعليمية علميا بهذه الثورة وتربط بينها وبين تفاصيل الحركة الوطنية المصرية سواء كانت التفاصيل التى سبقتها او تلك التى تبعتها. لمزيد من مقالات أمينة شفيق