اتحاد المستأجرين يكشف شرائح الزيادة في تعديلات الإيجار القديم    رئيس البنك الزراعي يتفقد الأعمال النهائية بمقر العاصمة الإدارية    ارتفاع ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة منذ فجر اليوم إلى 70 شهيدا    الفنانون والعاملون بدار الأوبرا ينعون والد الدكتور علاء عبدالسلام    عضو ب الحزب الجمهوري: ترامب لا يريد الدخول في صراع مباشر مع إيران حاليًا    رسالة مؤثرة| رامي ربيعة: نهاية مسيرة وبداية جديدة    محافظ الدقهلية يتابع حملة مشتركة للكشف تعاطي المواد المخدرة والمخالفات المرورية بالمنصورة    القبض على عامل خردة بتهمة قتل زوجته في الشرقية    «حماية المستهلك»: رقابة مشددة على الأسواق وزيارة 190 ألف منشأة وتحرير 44 ألف مخالفة    كلمات تهنئة للحجاج المغادرين لأداء فريضة الحج    زياد ظاظا يشعل أولى حفلاته بأوروبا (صور)    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على اقتراح وقف إطلاق النار والمناقشات مستمرة مع حماس    أحمد السعدني عن حصد الأهلي لبطولة الدوري: "ربنا ما يقطعلنا عادة    لجنة تفتيش تطمئن على جاهزية تشغيل مطار سفنكس    دعاء تهنئة بعيد الأضحى المبارك 2025.. أفضل الأدعية    والدة غادة عبد الرحيم: يجب على الجميع توفير الحب لأبنائهم    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    تقارير: مانشستر سيتي يبدأ مفاوضات ضم ريان شرقي    "حقيقة المشروع وسبب العودة".. كامل أبو علي يتراجع عن استقالته من رئاسة المصري    المطارات المصرية.. نموذج عالمي يكتب بأيادٍ وطنية    الحكومة: استراتيجية لتوطين صناعة الحرير بمصر من خلال منهجية تطوير التكتلات    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    «تود سوردي» يقود ثورة الذكاء الاصطناعي في الفضاء التجاري    إحباط تهريب صفقة مخدرات وأسلحة في نجع حمادي    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع للبنك التجاري ومجموعة أي أف جي    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    بالصور- حريق مفاجئ بمدرسة في سوهاج يوقف الامتحانات ويستدعي إخلاء الطلاب    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    مجلس حكماء المسلمين يدين انتهاكات الاحتلال بالقدس: استفزاز لمشاعر ملياري مسلم وتحريض خطير على الكراهية    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    «شكرا 2025».. أحمد مالك يعلق على تكريمه في «قمة الإبداع للدراما الرمضانية»    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    بنسبة حوادث 0.06%.. قناة السويس تؤكد كفاءتها الملاحية في لقاء مع الاتحاد الدولي للتأمين البحري    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    «أحد سأل عني» ل محمد عبده تتجاوز المليون مشاهدة خلال أيام من طرحها (فيديو)    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    «أوقاف الإسكندرية»: تجهيز 610 ساحات لأداء صلاة عيد الأضحى 2025    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    ياسر إبراهيم: بطولة الدوري جاءت فى توقيت مثالي    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    انطلاق المؤتمر العلمى السنوى لقصر العينى بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بوحدة طوسون    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد السياسى لثورة 1919 (3)
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 04 - 2019

تصاعدت الدعوة الى تأسيس بنك وطنى قبل وخلال الحرب العالمية الأولى. وكتب أحمد لطفى السيد مقالا بعنوان «الحالة الحاضرة» نشر فى 18 مايو 1908 يقول: إن امتناع المصريين عن محاكاة الأجانب فى فتح البنوك وتكوين الشركات الأجنبية، إنما يبتعد بهم عن تحقيق الاستقلال الحقيقى. وكان المقال واحداً من أولى المؤشرات على أن الرأسمالية المصرية الصاعدة كانت تعتبر إقامة بنك وطنى وسيلة للتحرر من الاعتماد على رأس المال الأجنبى. لكن دعوة تأسيس هذا البنك لم تتحقق قبل ثورة 1919؛ مع تأسيس بنك مصر فى عام 1920.
وأسجل، أولا: أن مؤسسى بنك مصر لم يكن هدفهم أن يكون بنكاً تجارياً عادياً وإنما القوة المحركة لقيام قطاع صناعى حديث؛ كمصدر للقروض الصناعية، ومركز لشركة قابضة كبرى. وفى حفل تأسيسه أشار طلعت حرب، المؤسس والقائد الفعلى للبنك ومجموعة شركاته، الى أنه فى مصر أموال كثيرة معطلة ومخزنة، وفى هذا ضياع للفائدة التى تعود على أصحابها وعلى البلاد، وأن الودائع والمدخرات يستثمر معظمها خارج البلاد، دون أن تسهم فى تطوير الاقتصاد وزيادة الثروة المصرية، وأن المصريين لم ينوعوا طرق استثمارهم وذهبت أموالهم فى شراء الأرض وضاعت هباء فى رفع أسعارها. وكما فى كل البلدان التى بدأت التصنيع، كان إنشاء بنك مصر فى عام 1920 نقطة انطلاق التصنيع الرأسمالى الوطني؛ حيث كان أول بنك تجارى وطني- رأسمالاً وإدارة- يقوم بالدور الرائد فى تجميع المدخرات الوطنية اللازمة لتقوية المواقع المالية للرأسمالية الصناعية الصاعدة. وفى قيادته للتصنيع كان تأسيس شركة مصر لحليج الأقطان عام 1924 بداية تأسيس مجموعة شركاته الصناعية. وفى عام 1927 أسس البنك أهم شركاته الصناعية، وهى شركة مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى، حيث فتح تصنيع محصول البلاد الزراعى الرئيسى الطريق أمام انتصار الصناعة المصنعية الرأسمالية الحديثة فى هذا الفرع القيادى للصناعة التحويلية.
وثانيا: أن تأسيس بنك مصر للصناعة الوطنية الرأسمالية الكبيرة كان انتصارا مهما فى الصراع بين الحركة الوطنية والاستعمار، بعد عقود من عداء الاحتلال البريطانى السافر لتصنيع مصر؛ خاصة تصنيع القطن فى بلده. وكان الزخم الوطنى لثورة 1919 محفزا لتلبية المصريين دعوة طلعت حرب للمساهمة فى تأسيس بنك مصر ومجموعة شركاته خاصة الصناعية. فقامت الأخيرة منذ البداية كبيرة وقادرة على مواجهة المنافسة الأجنبية الضارية الوافد. وبذلت الحركة الوطنية المصرية جهودا هائلة لجذب الودائع الى بنك مصر وجذب الاستثمارات الى شركاته. وفى مواجهة تحدى التصنيع شاركت قطاعات واسعة من المجتمع بنك مصر، بل وساندته معظم- إن لم يكن كل- الحكومات التى تولت الحكم عقب ثورة 1919. وتمكن البنك من تعبئة مدخرات صغار المساهمين والمودعين من المصريين، وجذبهم الى ميدان معركة تصنيع مصر، وتمصير نشاط الأعمال الرأسمالى الصناعى الحديث، والحد من الهيمنة المطلقة للاحتكارات الأجنبية.
وثالثا: أن دور بنك مصر فى تعبئة المدخرات الوطنية يتضح من مؤشرات أهمها: أن رأس مال البنك الابتدائى والمدفوع للبنك قد زاد بأكثر من 12 مرة بين عام 1920 وعام 1927، وزادت احتياطياته وأرباحه غير الموزعة بنحو 643 مرة بين عام 1921 وعام 1951، ومثل رأسمال البنك واحتياطيه فى عام 1951 نحو 26% من إجمالى رءوس أموال واحتياطيات البنوك التجارية العاملة فى مصر. كما زادت الودائع لدى البنك بنحو 306 مرات بين عام 1920 وعام 1951، وزادت ودائع الحكومة لديه بغرض إقراض الصناعات القائمة بنحو 20 مرة بين عام 1920 وعام 1936. وأما إجمالى الودائع لدى البنك فقد بلغ أكثر من 24% من إجمالى ودائع البنوك التجارية العاملة فى مصر فى عام 1951.
وقد أسس بنك مصر واشترك بنصيب مسيطر فى تأسيس العديد من الشركات الصناعية وغير الصناعية، وبلغ نصيبه فى ملكية بعض الشركات 90 % أو أكثر، وكان يقرض شركاته الصناعية قروضا متفاوتة الأجل لتمكينها من القيام بالتوسعات، ووصلت قروضه الى أرقام كبيرة بالقياس الى رأسمال تلك الشركات، وتولى الأعضاء المنتدبون من بنك مصر ادارة معظم شركاته. وقد بلغ رأسمال شركات بنك مصر الصناعية، التى أسسها بين عامى 1922 و 1938 حوالى 45% من رأسمال جميع الشركات الصناعية المساهمة التى تأسست فى الفترة نفسها، شاملة تلك التى سيطر عليها رأسمال أجنبى.
ورابعا، أن مصانع مجموعة شركات بنك مصر فى عام 1938 أنتجت أكثر من نصف إجمالى منتجات الغزل والنسيج للصناعة المصنعية فى مصر، وفى عام 1948 كان يعمل فى مصانع المجموعة حوالى 20% من إجمالى العاملين فى المصانع التى تستخدم 10 عمال فأكثر. وفى عام 1946 امتلكت شركتا مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى وكفر الدوار حوالى 62% من إجمالى المغازل الآلية التى امتلكتها 12 شركة قائمة فى مصر. وفى عام 1949 سيطر بنك مصر على 35% من إجمالى رءوس أموال مؤسسات صناعة الغزل والنسيج فى البلاد.
وقد حازت شركتا مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى وكفر الدوار أكثر من 45% من إجمالى رءوس الأموال الابتدائية لشركاته، ونحو 49% من اجمالى رءوس الأموال المدفوعة لجميع شركاته، وبلغت أرباحهما حوالى 66 % من إجمالى أرباح شركاته حتى عام 1953. وباستبعاد شركتى مصر صباغى البيضا ومصر للحرير الصناعى، اللتين تم تأسيسهما بمشاركة رأسمال أجنبى ولم يسيطر عليهما البنك، تلقت شركتا مصر للغزل والنسيج قروضا من البنك بلغت حوالى 197% من اجمالى رأسمالهما المدفوع فى عام 1939، حين قدم أكبر حجم من قروضه لشركاته الصناعية.
واختم بأن المسيطرين على البنك، كانوا مجموعة محدودة من الأشخاص متضاربة المصالح؛ جمعت بين نشاط الأعمال الرأسمالى الصناعى، والنشاط الزراعى شبه الاقطاعى، وأعمال الوكالة لرأس المال الأجنبى. وكانت غلبة المصالح غير الصناعية للمسيطرين، والأهم موقف البنك الأهلى المصرى (الانجليزى ملكية وإدارة) والقائم بمهام البنك المركزى الرافض لإقراض بنك مصر لمواجهة أزمة سحب الودائع منه مع نذر الحرب العالمية الثانية، وراء اصدار قانون دعم بنك مصر فى عام 1939، الذى جمد دوره فى استكمال مشروعه لتصنيع مصر حتى عام 1952، رغم تعاظم قدراته المالية.
لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.