الانتهاء من رصف وتطوير طريق بهرمس بمنشأة القناطر بطول 2.5 كم    المشاط: نتمنى التوفيق للرئيس الجديد للبنك لدعم مسيرة التنمية في إفريقيا التي تمرُّ بمرحلة حاسمة    إسرائيل تنتقد ماكرون بسبب تصريحاته بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية    "مبحبش حاجة تتمسك عليا".. أول رد من محمد شريف على أنباء انتقاله للزمالك    حسام حسن يطلب خوض مباراتين وديتين استعدادًا لبطولة أمم إفريقيا    فى ختام دورى الجولف بالم هيلز بنزهة.. الجزيرة يسعى لتأمين الوصافة وصراع على المركز الثالث    27 ألف طالب وطالبة يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية غدًا بأسوان    داليا البحيري وأحمد مجدي.. افتتاح منصات ب"في السيما" بحضور النجوم    سوريا تُرحب بقرار اليابان رفع العقوبات وتجميد الأصول عن 4 مصارف    وزير التعليم يبحث مع جوجل العالمية ويونيسف تعزيز دمج التكنولوجيا في المنظومة    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد الجمعة والسبت كل أسبوع بالمنصورة    تراجع جديد في أسعار الذهب اليوم الجمعة 30 مايو بالتعاملات المسائية    حملة مكبرة لرفع الإشغالات بشارع 135 بحي غرب شبرا الخيمة - صور    ضمن ألبومه الجديد.. عمرو دياب يعود للتلحين من جديد    4 مشاهدين فقط.. إيرادات فيلم "الصفا ثانوية بنات"    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة «بلدك معاك» لدعم الأسر الأولى بالرعاية    عالم بالأوقاف: كل لحظة في العشر الأوائل من ذي الحجة كنز لا يعوض    «من حقك تختار».. ملتقى تثقيفي عن التأمين الصحي الشامل بالأقصر    صحة المنيا: قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بملوي تقدم خدمات لأكثر من 1147 حالة    أمجد الشوا: الاحتلال يستغل المساعدات لترسيخ النزوح وإذلال الغزيين    ألمانيا تربط تسلم أسلحة إسرائيل بتقييم الوضع الإنساني بغزة    ماكرون: إذا تخلينا عن غزة وتركنا إسرائيل تفعل ما تشاء سنفقد مصداقيتنا    ترامب: أنقذت الصين لكنها انتهكت اتفاقيتها معنا بشكل كامل    كونتي يؤكد استمراره مع نابولي    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    سقوط المتهم بالنصب على المواطنين ب«الدجل والشعوذة»    الحدائق والشواطئ بالإسكندرية تتزين لاستقبال عيد الأضحى وموسم الصيف    إنقاذ فتاة عشرينية من جلطات بالشريان الرئوي بمستشفي دمياط العام    الصحة: تقديم الخدمات الصحية الوقائية ل 50 ألفًا و598 حاجا من المسافرين عبر المطارات والموانئ المصرية    مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    وزير الزراعة يستعرض جهود قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة خلال مايو الجاري    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    طقس مائل للحرارة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بشمال سيناء    شاهد عيان يكشف تفاصيل مصرع فتاة في كرداسة    رئيسة المجلس القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات    بري يرفض الاحتكاكات بين بعض اللبنانيين في جنوب البلاد واليونيفيل ويدعو لمعالجة الوضع بحكمة    اعلام إسرائيلي: عقد اجتماعات وزارية سرية لبحث احتمالية شن هجوم على إيران    مصر على مر العصور.. مصر القديمة 1    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    "فوز إنتر ميامي وتعادل الإسماعيلي".. نتائج مباريات أمس الخميس 29 مايو    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنك مصر والتصنيع: المأثرة والمأزق
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 10 - 2018

كان تأسيس بنك مصر فى أعقاب ثورة 1919- كأول بنك تجارى مصرى رأسمالا وادارة- نقطة انطلاق محاولة التصنيع الرأسمالى المستقل بقيادة طلعت حرب؛ بتجميعه للمدخرات الوطنية وتوظيفها فى التصنيع. فنهض- كما فى كل مكان- بالدور الذى لعبته البنوك المماثلة فى المراحل المبكرة للتصنيع بالبلدان المتقدمة. وقد أقام بنك مصر شركاته الصناعية ضد إرادة الاستعمار البريطانى المعادى لتصنيع مصر، وخاض منافسة ضارية مع رأس المال الأجنبى المسيطر على نشاط الأعمال الحديث بمصر. لكن بنك مصر حتى ثورة 1952 لم يتمكن من تجاوز قيود استكمال التصنيع: والتبعية الاقتصادية لمصر المستعمرة، والبيئة شبه الاقطاعية المقيدة للتصنيع، والتكوين المتناقض للطبقة الرأسمالية المصرية الكبيرة.
وأسجل أولا، أن المأثرة الأهم فى دور بنك مصر فى تاريخ تصنيع مصر كانت مبادرته بتأسيس الصناعة الحديثة فى فرعها القائد وهو صناعة غزل ونسج القطن. لم يعرف تصنيع هذا المحصول الزراعى الرئيسى حتى عام 1927 إلا مصنع واحد كبير اعتمد على الآلات الحديثة، لم ينقذه من التصفية سوى تضاعف الطلب والحماية الاضطرارية إبان الحرب العالمية الأولي. وقد أشار طلعت حرب- مؤسس البنك وشركاته الصناعية- فى حفل تأسيسه إلى أن فى مصر أموالا كثيرة معطلة ومخزنة، وفى هذا ضياع للفائدة التى تعود على أصحابها وعلى البلاد، وأن الودائع والمدخرات يستثمر معظمها خارج البلاد؛ دون أن تسهم فى تطوير الاقتصاد وزيادة الثروة المصرية، وأن المصريين لم ينوعوا طرق استثمارهم، وذهبت أموالهم فى شراء الأرض وضاعت هباء فى رفع أسعارها. وثانيا، أن رأسمال بنك مصر واحتياطيه بلغ نحو 26% من إجمالى رؤوس أموال واحتياطيات البنوك التجارية فى مصر، ومثلت الودائع لديه ما زاد على 24% من إجمالى ودائع البنوك التجارية بمصر، فى عام 1951. ويشير تقرير مجلس إدارة البنك لعام 1929، إلى ارتباط نشاطه وشركاته بتمويل ونقل وتجارة وتصدير وحلج القطن، وأنه من أجل استهلاكه محليا أنشأ شركة مصر لغزل ونسج القطن فى المحلة الكبري. وقد بلغ رأسمال شركات بنك مصر الصناعية، التى أسسها حوالى 45% من رأسمال جميع الشركات الصناعية المساهمة الجديدة، بما فيها تلك التى أسسها وسيطر عليها رأسمال أجنبي، بين عامى 1922 و 1938. وأنتجت شركات بنك مصر الصناعية أكثر من نصف إجمالى منتجات الغزل والنسيج للصناعة المصنعية فى مصر فى عام 1938.
وثالثا، أن بنك مصر وحتى يمكنها مواجهة منافسة الواردات أقام مصانع كبيرة، وكانت التكلفة عالية بسبب الأثمان المرتفعة للآلات والمعدات فى زمن إقامتها المتأخر؛ مقارنة بالمصانع المماثلة لها بالبلدان الرأسمالية فى زمن التصنيع المبكر. ومقارنة بجميع شركاته نالت أكبر استثماراته شركتا المحلة الكبرى وكفر الدوار لغزل ونسج القطن، وحوالى 45% من اجمالى رؤوس الأموال الابتدائية، وتلقت أكبر قروضه، حتى بلغت نحو ضعف رأسمالها المدفوع فى عام 1939، وحوالى 49% من اجمالى رؤوس أموالها المدفوعة حتى عام 1949. وبفضل توظيف البنك الودائع لديه فى التصنيع امتلكت الشركتان حوالى 62% من إجمالى المغازل الآلية فى مصر فى عام 1946، وعمل فى مصانع بنك مصر حوالي20% من إجمالى العاملين فى المصانع التى تستخدم 10 عمال فأكثر فى عام 1948، وسيطر البنك على 35% من إجمالى رؤوس أموال مؤسسات الغزل والنسيج فى مصر فى عام 1949.
ورابعا، أن بنك مصر قد بدأ نشاطاته بالعمليات التجارية المالية لتوفير الأموال اللازمة للاستثمار الصناعي. لكنه بعد تعرض البنك لأزمته المالية الشديدة فى عام 1939، أصدرت الدولة القانون رقم 40 لعام 1941- المسمى بقانون دعم بنك مصر- الذى ألزمه بعدم إنشاء شركات صناعية جديدة، وفرض عليه ألا يتوسع فى الشركات القائمة وتصفية شركاته الخاسرة، وتضيف ودائعه فى الأوراق المالية الحكومية والأجنبية على حساب استثماراته الصناعية الانتاجية. وهكذا، فان بنك مصر، الذى أسس أربع شركات صناعية فى عام 1938، ورغم ما حققه وشركاته الصناعية وغيرها من أرباح هائلة فى فترة الحرب العالمية الثانية، لم يرفع رأسمال شركاته، ولم يشترك فى النشاط التأسيسى الواسع بصناعة الغزل والنسيج بعد الحرب، ولم يتمكن حتى عام 1953 إلا بالاشتراك فى تأسيس شركة مصر للحرير الصناعى وبحصة تقل عن 10% من رأس المال بالمشاركة مع شركة أوسكار كوهورن الأمريكية فى عام 1946. وخامسا، أن بنك مصر قد بدأ تأسيسه لشركاته معتمدا على رؤوس الأموال المصرية وحدها فى العشرينيات، وحين دخل فى شراكة مع رأس المال الأجنبى فى أوائل الثلاثينيات اشترط أن تكون أغلبية رأس المال والادارة العليا للمصريين، ولم يقبل بالمشاركة فى شركاته للغزل والنسيج. لكنه فى نهاية الثلاثينيات أجبر على قبول ما رفضه من قبل، تحت ضغط الحكومة البريطانية بعد رفع التعريفة الجمركية المصرية، وتحت تهديد الاحتكارات البريطانية بإقامة مصانع للغزل والنسيج فى مصر، وأيضا بدافع الاحتياجات التكنولوجية الضرورية للارتقاء بالتصنيع. وهكذا عقد البنك اتفاقا وبحصة لم تتعد 20% من رأس مال شركة مصر صباغى البيضا مع اتحاد صباغى برادفورد، وقبل بأن يقتصر إنتاج شركته الكبرى بالمحلة على الغزل والنسيج السميك الأقل ربحية، وأن تقوم بإنتاج الغزل والنسيج الرفيع الأعلى ربحية الشركة المختلطة الجديدة فى كفر الدوار، وأن تحتكر مصر صباغى البيضا تجهيز وتبييض وصباغة إنتاج الشركتين. لكن هذه المشاركة كانت أفضل يقينا من حيازة أسهم محدودة فى رأسمال الشركات الأجنبية قبل تأسيس بنك مصر، بل وتمكن من شراء الحصة البريطانية عقب الحرب العالمية الثانية. وأخيرا، إن قانون دعم بنك مصر قد أنقذ رؤوس أموال الرأسمالية المندمجة بجهاز الدولة، وحمى البنك وشركاته من الافلاس؛ لكن شروطه لخصت الدور المزدوج للدولة- الداعم والمقيد- للصناعة الوطنية الناشئة. فقد سحبت الحكومة صندوق التوفير الحكومى ودائعهما من البنك، ورفض البنك الأهلى المصرى (الانجليزى رأسمالا وادارة، وبنك البلاد المركزى فعليا آنذاك) طلب بنك مصر بإقراضه رغم تقديمه أقوى الضمانات، انسجاما مع سياسته المناوئة لتصنيع مصر. وبين عامى الأزمة والدعم تعاقبت سبع حكومات للأقلية صنعها الاستعمار والقصر، وهيمن مالكو أكثر من مائة فدان على مجلسى النواب والشيوخ!.
لمزيد من مقالات د. طه عبدالعليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.