حققت روسيا مكاسب كبيرة رفعت من مكانتها فى صراعها الممتد مع الغرب، وأضافت الكثير إلى سُمعتها الدولية كقوة عظمى قادرة على اختراق حصون خصومها، وذلك دون أن تبذل مجهوداً يُذكَر، بعد أن تطوعت لمصلحتها نخب أمريكية سياسية وفكرية وإعلامية، خلال معركتهم الدامية ضد ترامب، وسعيهم المسعور إلى تدميره شخصياً ومحاكمته من أجل الإطاحة به من الحكم, فكانت حملتهم الشرسة باتهامه بالتورط فى التعاون مع المخابرات الروسية وزعمهم أنها ساعدته فى تزوير الانتخابات التى فاز فيها. وكان من أهم أخطاء من بادروا بأنفسهم بهذه المعركة السياسية والقانونية، أنهم روَّجوا إعلامياً داخل أمريكا وعبرالعالم لصورة روسيا الخارِقة، ولم يحسبوا المكاسب التى تعود على روسيا نتيجة أن تستقر هذه الصورة لدى الجماهير بالمليارات فى أمريكا وفى كل العالم. الجدير بالدراسة، هو كيف أدار بوتين باقتدار هذا القضية التى طرأت أمامه دون مقدمات، وكيف عمل على تحقيق أكبر استفادة من أخطاء الآخرين، بعد أن رأى أنهم يحققون له ما لا يقدر على تحقيق بعضه إلا بتكلفة باهظة! فقد أجاد حساب الموقف الذى لم يتدخل فى صنعه، ورأى أن الأفضل له أن يدع الأمور تتأجج أكثر، فعمد على إبداء الاستخفاف بالموضوع، وكان ينفى الواقعة بشكل عابر بما يوحى بصحتها. أما الآن، وبعد أن أعلن «مولر» أنه لم يجد أدلة تكفى لاتهام ترامب، فمن حق روسيا أن تعتبر الحصيلة فى مصلحتها بأكبر المكاسب، لأنه، طيلة عامين من تكرار التهمة بهذا الإلحاح وعلى هذا المدي، ترسخ فى أمريكا وبقية العالم، لدى الساسة بجميع اتجاهاتهم، ولدى الرأى العام، بأن الروس إذا لم يكونوا قد فعلوها فهم قادرون على فعلها، فتحققت لروسيا الصورة التى تريد ترسيخها أنها قادرة على إلحاق الضرر بخصومها إلى حد اختراق نظامهم الانتخابى الذين يتباهون بحصانته. وهى صورة كان على الروس أن يدفعوا الكثير من الأموال ومن الجهود لزرعها فى عقول ونفوس الأمريكيين وغيرهم، فجاء من قدمها لهم طواعية، ودون طلب منهم، ودون أن يتحمّلوا أى أعباء! لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب