لا تزال العنصرية تمثل أخطر آفات المجتمع الغربى ولا تزال كذلك تتصدر منظومة قيم الرجعية الحضارية، وتستأثر بعقل ذلك المجتمع وتدفعه نحو مسارات تبلغ به بؤرة التناقض الحاد بما يحرك نوازع التشكيك فى أهليته انطلاقا من سيادة السمات الذهنية المتأصلة كالتعصب والأحادية والنرجسية والإقصائية، ولقد تجسد بعض من ملامح تلك العنصرية فى ذلك الحادث النيوزيلندى المروع والذى اتسعت معه خريطة الإرهاب الدولى وامتدت لتطول بقاعا جديدة من الأرض، وليس ذلك الحادث يعد جديدا على التجربة الإنسانية المعاصرة وإنما الجديد والمثير بحق هو بشاعة تصريحات الفاعل واعترافاته التى تحمل فى مضموناتها الكثير والكثير من نوازع العداء والانتقام ومرارة الحقد وسطوة الاستعلاء وترسيخ لغة الكراهية وغياب الروح الإنسانية وتفعيل آليات الترهيب ذلك استياء وتضررا من طوفان الهجرة من الشرق العربى إلى كل الدول الغربية باعتباره يعد غزوا مقنعا يستهدف اختراق وتفكيك الدينامية السياسية والثقافية والاجتماعية لهذه الدول وطمسا لهويتها التاريخية، من ثم فقد جاءت عباراته صارخة إلى الحد الذى يستوجب وقفة تحليلية تستقصى عمق المعانى الظاهرة. فأبسط ما قيل من تلك العبارات (أهلا باللاجئين فى الجحيم)، (نحن قادمون إلى القسطنطينية وسنهدم كل المساجد والمآذن فى المدينة وأن آيا صوفيا ستتحرر من المآذن وستكون القسطنطينية ملكا مسيحيا من جديد.. ارحلوا إلى أراضيكم طالما لا تزال الفرصة لديكم)، (يمكنكم العيش فى سلام على أراضيكم فى الضفة الشرقية للبوسفور لكن إذا حاولتم العيش فى الأراضى الأوروبية سنقتلكم وسنطردكم أنتم الصراصير من أراضينا). تلك هى العنصرية الطاغية على تيار الوعى بكل ما حمل من مرجعية تاريخية تقتحمها الأوهام والاختلاقات، العنصرية التى تمثل مشاهد خاطفة من فتيل الحروب الثقافية، ولعل تاريخ الأكاذيب مازال يذكرنا بأسطورة رولاند تلك التى تم توظيفها أحقابا طوالا لاحتدام الصراع مع العالم الإسلامى والمتمثلة فى أنماط معاصرة منذ أطروحات هنتنجتون وفوكوياما عن الصدام الحضارى ونهاية التاريخ. إن العنصرية الغربية التى تتنوع هياكلها سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعقائديا ليست بحاجة إلى برهنة أو تأكيد لأن وقائعها تتجاوز الحصر والإحصاء، ولا تزال بصماتها بارزة فى ذاكرة المجتمعات العربية الإسلامية، وتمثل حيزا حيويا فى أدبيات المجتمعات الغربية تكفى فيه الإشارة إلى ما طرحه أندرو جى عن ممارسة قطع الرؤوس الإسلامية، أو ما أفاض فيه روبرت فيسك تحت مسمى ضحايا أخلاقيتنا المجنحة. ولعل بعضا من ذلك إنما يدفعنا نحو معترك تساؤلات ذات ارتباط موضوعى بمذبحة نيوزيلندا الشهيرة منها: هل من سبيل لإقامة إستراتيجية فاعلة تستهدف استئصال العنصرية الغربية تجاه العرب والمسلمين بعد كل الجولات التاريخية المقيتة؟ ألم يكن التقدم الحضارى المذهل رادعا ثقافيا بجميع الممارسات البربرية، وهل تجوز المقارنة بين تيار الهجرة المتدفق على أوروبا، وبين الغزو الاستعمارى الذى استباح كل معطيات الشرق طيلة قرون؟ هل من سبيل لدعم مفهوم الإخاء الإنسانى الذى يمثل ضرورة حضارية بعد أن تعارضت الأفكار والمصالح وبلغت ذروة التضاد؟ وما هى كيفية سحق مفهوم الاستثناء الأمريكى وانعكاساته السلبية على كل مناحى المجتمع الدولى؟ وهل يصبح الإرهاب هو التحدى التاريخى المستوجب للوحدة الدولية التى تدحر أوكاره وكوادره ومصادر تمويله؟ وهل يمكن أن تطمح الشعوب والأنظمة فى إعداد برنامج تحررى إنسانى يعيد صياغة الهوية المعاصرة على نحو ينأى بها عن الصغائر بل يسمو بها نحو أفق آخر يجعلها أكثر وقارا ورفعة؟ إن التأزمات الكونية المعاصرة هى أكبر كثيرا من أن يكون ضمن أبعادها تلك العنصرية التى ظلت مرضا تاريخيا عضالا ربما لن تسمح ظرفيات المستقبل بوجوده. لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبو العلا