لعل كافة الحقائق التاريخية الحديثة والمعاصرة لا تزال تؤكد أن أمريكا لم تكن سوي الداعم المؤسسي للإرهاب, لم تكن سوي الكاهن الأعظم والمنظر الأعلي لكافة الحركات الإرهابية التي تطوق العالم. لم تعشق أمريكا يوما شيئا أكثر من إثارة القلاقل ومؤازرة الانقلابات والتزيد من التدخلات العسكرية وتحريك النوازع الشريرة وإحياء جذور الصراع علي السلطة, ذلك لأنها وعلي الإطلاق- ترفض لغة السلام وتتأبي علي مبادئ العدل الدولي وتترفع عن الندية, لأنها طوقت ذاتها في بوتقة العنصرية التي تعد بالطبع هي الآلية المضادة للحياة الإنسانية. ولعل إرهاصات جولتها الحديثة والمعاصرة مع الإسلام قد بدأت منذ أن أطلق بوش الابن صيحته بأنها حرب صليبية ضد العالم الإسلامي بأسره, وعلي أثر ذلك قد توالت الذرائع وتعددت في- فجاجة غير معهودة- حتي كان المشهد الأخير منها ممثلا لفزع يفوق التصور.. إنه ذلك الكتاب الملغوم برؤي وأفكار لها في ظاهرها طابع الغضب وتحمل في ثناياها إستراتيجية حرب شعواء ضد الإسلام, تري من تكون له تلك البطولة الجديدة في يقظة الأحلام الدموية؟.. إنه مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق وصاحب كتاب( ميدان القتال.. كيف يمكن كسب الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه). ويمهد فلين لأطروحته بتلك التناقضية الصارخة بين الديمقراطية الغربية وذلك الإسلام الراديكالي والتي تمثل بالفعل سببا محوريا لإشعال فتيل حرب عالمية يجب أن تكون الغلبة فيها للولايات المتحدة بعد ان انتصر الإسلام الراديكالي, عليها في جولة سابقة عندما فشلت الإدارة الأمريكية في تقنين استراتيجية خاصة تتسم بوضوح الرؤية, وطرح آليات مناسبة للتعامل مع العدو مما جعل ذلك العدو يخوض معركته ضد أمريكا متسلحا بالاستراتيجية القائلة.. المبادأة هي نصف النصر, فلتنطلق أمريكا أيضا من تلك النقطة وتشن حربا استباقية جديدة قبل أن يطوف بخيال الإسلاميين النيل منها. ومن هنا يضع فلين محاور إستراتيجية تتمثل في إعلاء مصالح الأمن القومي الأمريكي علي فلسفة التوازنات بمعني أن تحتشد أمريكا بكل ما تمتلك من قوي ناعمة وغير ناعمة لتلك المواجهة الساخنة مع التنظيمات الإرهابية معتبرة انها مقدمة علي ممارسات حرب عالمية, وتلاقيا مع ذلك يتوجب علي أمريكا ان تقوم بعملية رصد دقيق يعقبها تتبع مخابراتي لكافة العناصر الإسلامية تبدأ من الداخل الأمريكي أولا مع اعتبار الدول التي تحتضنه هي الدول المارقة أو هي محور الشر الكوني, لأنها تدعم وتمول وتحرض وتستعدي تلك التنظيمات علي أمريكا. من ثم كانت دعوة فلين إلي ضرورة معالجة المنظومة الأيديولوجية المتطرفة القائمة علي عنصرين هما الدمار والموت, فمثلما تم التغلب علي الأيديولوجية النازية واليابانية في الحرب العالمية الثانية, وكذلك استئصال الطوفان الشيوعي خلال الحرب الباردة. وعلي هذا فلابد أن تكون هناك حتمية لهزيمة الإسلام الراديكالي. ولا شك أن تلك الدعوة إنما تنبثق من تلك الانطباعات الفكرية ذات الطابع العنصري المتجسد في مفهوم الاستثناء الأمريكي والذي أثاره لي هاملتون مرددا إنه جزء حيوي من هويتنا وتاريخنا, وإننا كأمريكيين فخورون تماما بدورنا في العالم, لأننا أمة صاغت النظام العالمي وبشكل عميق اعتمادا علي قوتنا السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية التي لا تضاهي. وبصفة عامة لم تختلف أطروحة فلين تلك المحفزة للسياسة الأمريكية علي استعداء التيارات الإسلامية المتطرفة او المسالمة فكلاهما سواء في النظرة الأمريكية- أقول لم تختلف تلك الأطروحة عن ما قدمه هنتنجتون من الالتفاف حول فكرة الصدام الحضاري بين الكتلة الغربية والإسلام باعتبارها أم المعارك القادمة, لكن ما كان يستوجب أن يؤكده فلين وعلي النقيض هو تلك الأدوار الممتدة للجماعة الأمريكية المعروفة باسم ستاي بيهايند أو إحدي شبكات التدخل الأمريكي العابثة بمقدرات العالم والعالم العربي بشكل أخص والتي نشأت من قبل الأمريكيين بعد الحرب العالمية الثانية متخذة في تكوينها فرقا للحرب النفسية وأخري للحرب السياسية وثالثة الحرب الاقتصادية, ورابعة للعمليات الوقائية المباشرة التي تتجسد في التخريب من الداخل, وهي ما تسمي بحروب الجيل الرابع ذات الدينامية في تفتيت الكتلة العربية.