الحديث عن مكتبة الإسكندرية لا بد أن يكون مسبوقا بحديث عن الكتب والمكتبات.هناك أقوال لحكماء من الغرب والشرق تجسد أهمية الكتاب والمكتبات. يقول أرسماس: عندما أمتلك مبلغا من المال أشترى به كتبا، وإذا ما تبقى منه شيء أشترى به طعاما وملبسا. ويقول شوبنهاور: المكتبة هى الذاكرة الوحيدة المؤكدة للفكر الإنسانى ويقول توماس كارليل: الجامعة ليست إلا مجموعات كتب. علماء الإسلام الكبار أيضا كانوا يعشقون اقتناء الكتب والمكتبات مثل أقرانهم فى كل مكان متحضر.أمة الإسلام هى أمة اقرأ وأول آية نزلت من القرآن كانت: «اقرأ باسم ربك الذى خلق». أجمل كلام كان كلام إبن الجوزى فى كتابه صيد الخاطر: ما أشبع من مطالعة الكتب وإذا رأيت كتابا لم أره فكأنى وقعت على كنز. والجاحظ كان عاشقا لاقتناء الكتب حيث يقول: من لم تكن نفقته التى تخرج على الكتب ألذ عنده من إنفاق عشاق القيان لم يبلغ من العلم مبلغا رضيا. وابن المقفع كان أيضا من عشاق اقتناء الكتب: كل مصحوب ذو هفوات والكتاب مأمون العثرات. للأسف أصبحت الكتب والمكتبات من الكماليات عندنا رغم أن لها أهمية الغذاء والدواء، ورغم أن العالم كله يحترم الكتاب ويحرص على اقتنائه حرصه على الأساسيات. الأمر مختلف عندنا. لو بحثت عن مطبوعات مطبعة بولاق النادرة مثلا، والتى أنشأها محمد على عام 1822 والتى أنارت المنطقة العربية، ونشرت تسعة آلاف عنوان حتى عام 1892، فإنك لن تجد ولو 100 كتاب منها فى أى جامعة مصرية الآن. الغريب فى الأمر أن مكتبات الجامعات العربية تتسابق فى جمع هذه الكتب وترسل الوفود لاقتنائها من مصرمن سور الأزبكية وغيره. أدركت الجامعات العربية الفتية والتى أصبحت تقود التصنيفات العربية الآن وتسبق جامعاتنا بمراحل، أن اقتناء هذا التراث سيمكنها من إحراز المزيد من التقدم فى التصنيفات العالمية وهو ما يتحقق بالفعل. كانت الجامعات المصرية وخصوصا جامعات القاهرةوالإسكندرية وعين شمس وأسيوط تضم كتبا نادرة عربية وأجنبية فى مكتباتها تم تبديدها على أساس أنها كتب قديمة يجب الخلاص منها!. بتاريخ 17 فبراير 2015 نشرت مجلة تايم الأمريكية أنها حصلت على مكتبة أحد خريجيها، هو السيد وليام سكيد تضم 2500 كتاب نادر ووثائق مهمة وأن الخبراء قدروا قيمة تلك المكتبة بثلاثمائة مليون دولار. كان رئيس الجامعة فى استقبال تلك المكتبة ووصفها بأنها حدث عظيم وأنها ستكون قلب جامعة برنستون. إذن المكتبات المهداة، ليست مجرد مجموعات كتب، بل قلب حى للمكان مثلما شخص رئيس جامعة برنستون. غالبا ما تحوى مكتبات العظماء كتبا نادرة يصعب الحصول عليها، وهو ماجعلها لا تقدر بمال. مكتبة الإسكندرية تفعل مثلما فعلت برنستون وزيادة. فى الذكرى الثالثة للراحل الكبير محمد حسنين هيكل والتى كانت فى السابع عشر من فبراير الماضي. هذا تاريخ مهم وذو مغزى لما تقوم به مكتبة الإسكندرية من جهود لتضمن لها استدامة المنافسة الشرسة مع قريناتها العالميات. استطاعت المكتبة فى هذه المناسبة ضم مكتبتين خاصتين لاثنين من أكبر شخصيات القرن العشرين هما الراحلين محمد حسنين هيكل وبطرس غالي. تكمن أهمية ذلك الحدث فى الأدوار التى لعبها كل من الراحلين محليا وعالميا وكونهما كانا مشاركين فى صناعة كثير من القرارات المؤثرة، إضافة الى أنهما كانا أيقونتين من أعظم الأيقونات الثقافية فى التاريخ المصري، وبالتالى فإن مقتنياتهما ليست كأى مقتنيات أخري، وأن هذه المقتنيات ستكون مادة ضرورية لكل الباحثين فى مصر وبقية العالم حاليا ومستقبلا. يحسب للسيد الدكتور مصطفى الفقى رئيس المكتبة والذى استطاع من خلال علاقاته الشخصية مع الراحلين وأسرتيهما أن يحصل على موافقتهما لضم مكتبتيهما الى مكتبة الإسكندرية قبل أن تحصل عليهما جامعة أخرى عربية أو مصرية أو أن يبيعهما ورثتهما الى مكتبة دولية أو متحف عالمى أو أن تتبددا مثلما بددت مكتبات عظيمة وضاعت على مصر مثل مكتبة الأمير يوسف كمال ومكتبة عبد العزيز عزت باشا ومكتبة إبراهيم حلمى باشا ومكتبة على باشا مبارك وغير ذلك الكثير. تلك المكتبات لو كتب لها الحفظ مثلما حدث مع مكتبة هيكل وبطرس غالي، ولوقدر لها أن تقتنى وتحفظ فى مكتبة مثل مكتبة الإسكندرية لكان هناك خير كثير للوطن وثقافته وإضافة محسوسة لقوته الناعمة العملاقة. كانت مكتبة الأمير يوسف كمال توصف بأنها أعظم مكتبة فى الشرق الأوسط والشرق الأدني. كان الرجل واحدا من أعظم الشخصيات المصرية فى مجال الثقافة والفن، وكان جالبا للمعرفة والفنون الجميلة ولنوادر الكتب وإحضارها لمصر من كل أنحاء العالم ومضيفا دائما لقوة مصر الناعمة. أما إبراهيم حلمى باشا فقد تبرع بمكتبته لتضم الى مكتبة جامعة القاهرة، وإقيم احتفال بهذه المناسبة حضره زوجة إبراهيم حلمى والملك فؤاد وذكر فيه كما جاء فى الصفحة الأولى من الكتاب الذى كان يحوى قائمة بتلك المقتنيات: هذه المكتبة ستكون ذخرا للأجيال القادمة. هذه المكتبة تم تبديدها وإضاعتها. هناك الكثير من مذابح المكتبات المهمة والتى ضاعت على مصر، ولو قدر لها أن تصان مثلما هو الحال مع هاتين المكتبتين لكان هناك خير كثير لمصر. فى بحثى عن مادة هذا المقال، اتصلت بالدكتور مصطفى الفقى الذى أبلغنى أنه من خلال اتصالاته حصل أيضا على مكتبة الدكتور أحمد زويل وأوراقه بالاتفاق مع أسرته وأن تلك المكتبة لها مكانها ومكانتها فى مكتبة الإسكندرية الآن. كما أبلغنى أن الابن الأكبرللسيد إسماعيل فهمى وزير الخارجية الأسبق ونائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق، وشقيقه السيد نبيل فهمى وزير الخارجية الأسبق قد طلبا إضافة الأوراق السياسية لوالدهما الراحل العظيم عليه رحمة الله، الى مكتبة الإسكندرية، لأنها المكان الأفضل لمثل تلك الوثائق والأوراق التى تؤرخ لحقبة من أخطر حقب التاريخ المصرى الحديث. هذه المكتبات الخطيرة النادرة تفوق فى قيمتها المكتبة المهداة لبرنستون المذكورة أعلاه، والتى تقدر قيمتها بنحو 300 مليون دولار، وسترفع من تصنيف مكتبة الإسكندرية أكثر فى المستقبل. مكتبة الإسكندرية جزء أساسى من قوة مصر الناعمة. الرئيس السابق للجامعة البريطانية لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة