نشرت مجلة تايم الأمريكية بتاريخ16 فبراير2015 أن جامعة برنستون الأمريكية تلقت هدية من أحد خريجيها السيد ويليام شييد والذي وافته المنية العام الماضي منح مكتبته النادرة لمكتبة الجامعة وكانت تحوي2500 كتاب نادر تم تقدير قيمتها المادية بمبلغ300 مليون دولار أي ما يقرب من أكثر من بليونيجتيه علي الأقل. هذه القصة لها بضع معان يجب التأمل فيها والإستفادة منها: أولا: وفاء الخريجين لجامعاتهم الأم ورغبتهم الصادقة في أن تستمر في عطائها وتقديمها تعليما مميزا للأجيال القادمة وأن تكون الأفضل. ثانيا: المساهمة بفاعلية شديدة في خدمة مجتمعهم وتمنياتهم بأن تكون صدقتهم التي تبرعوا بها جارية وتنفع الناس بعد رحيلهم. ثالثا: كأن هؤلاء يفعلون وينفذون بالفطرة ما قاله النبي عليه السلام: إذا مات ابن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث:صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له. رابعا:أن هذه الجامعات تقدر ذلك وتستثمر قيمته وتعليها وتسوقه علي أنها الأفضل وتباهي به الدنيا كلها. تأمل ما قاله رئيس الجامعة: ستكون هذه المجموعة من الكتب وستمثل قلب المكتبة. هذا رئيس جامعة يعلي كلمة الكتاب النادر ويحترمه ويعرف قيمته. كان بجامعاتنا القديمة أمثال تلك الكتب والتي كانت هدايا من مصريين عظماء وتم التخلص منها. الناس تذكر تبرع الأميرة فاطمة إسماعيل بمجوهراتها لبناء جامعة القاهرة ولا تذكر مجموعة الأمير إبراهيم حلمي باشا للمكتبة والتي تم التخلص منها تقريباوبيعت في سوق الأزبكية في زمننا هذا!! خامسا: الاهتمام بالثقافة لا ينفصل عن الاهتمام بالتعليم. كلاهما مرتبط بالآخر ارتباطا وثيقا. الجامعة لا تخرج طالبا درس بضع مقررات ولكنها تخرج إنسانا راقيا ملما بمعارف البشرية كلها وأنه خلال دراسته تلقي تعليما وثقافة ورأي روائع الفكر الإنساني متمثلة في تلك الكتب النادرة والمتاحة له في مكتبة الجامعة التي يدرس بها. سادسا:اهتمام الأغنياء بالغرب بالثقافة خلال مراحل حياتهم كلها متمثلة في إقتناء الكتب والأستثمار الحقيقي فيها وعدم البخل في إقتنائها والتمتع الحقيفي بمحتواها ثم في أن تستدام المعرفة الإنسانية من خلال حفظ المجموعة كلها وإهداءها أو بيعها لجامعة وحتي لا تتوزع قيمتها بين الورثة فتقل تركيزا وقيمة. سابعا: ان الذين يقودون العملية التعليمية والمعرفة في الغرب علي قدر كاف من الثقافة وأنهم ليسوا ذوي بعد معرفي واحد وأنهم نموذج ملم بالحضارة الإنسانية وتاريخها. لا أحد في جامعاتنا باستثناء الجامعة الأمريكية التي بها مكان مرموق للكتب النادرة- يهتم بالكتب النادرة أو يعرف قيمتها وتأثيرها علي مكانة الجامعة وتصنيفها بين الجامعات المرموقة مثل بريتستون وغيرها. كنت في زيارة لمكتبة الجامعة الأمريكيةورأيت في مدخل مكتبتها النادرة كتب ووثائق أنيس منصور رحمه الله معروضة عرضا جيدا في مدخلها وتساءلت: لماذا لم تكن هذه المجموعة والمقتنيات في مكتبة جامعة القاهرة أو كلية الآداب التي تخرج منها أنيس منصور؟. الإجابة ببساطة أن الجامعة الأمريكية تهتم وتعرف وتسعي لاقتناء مقتنيات تمثل تاريخ الثقافة المصرية ولا تبخل في سعيها لتحقيق ذلك بكل ثمن مثلها مثل برنستون. هذا أحد أسباب رمي المجموعات النادرة القديمة في مكتبات الجامعات المصرية القديمة الثلاث وهذا هو السبب في تصحرها قبل الأوان. قارن هؤلاء القوم بما قاله رئيس جامعة برنستون أثناء الإحتفاء بتلك المجموعة المهداه للجامعة والمذكور أعلاه. نعم الكتب هي أساس الجامعة وقلبها وعقلها وروحها. قديما قالها توماس كارليل:Atrueuniversityisacollectionofgoodbooks أو الجامعة الحقيقية ليست إلا مجموعة من الكتب الجيدة. ما قاله كارليل هو بالضبط ما قاله رئيس جامعة برنستون العريقة. هذا هو الفرق بين جامعاتنا وجامعاتهم, تعليمنا وتعليمهم.