في عالم أصبحت فيه المعرفة سلعة إستراتيجية لا تقل أهمية- إن لم تكن تزيد- عن تلك السلع الأخري التي تقاس بها قوة الأمم ودليلا علي وجودها علي الساحة العالمية، ولا يكون من قبيل المبالغة أن نقول إن تلك اللحظة التي تخلي العرب فيها عن إنتاج معرفة علمية بمجمل أوضاعهم هي نفسها اللحظة التي تدنت فيها مكانتهم بين الأمم.. وكانوا فيها مطمعا لجميع انواع الاستعمار التي يأتي في مقدمتها واخطرها الاستعمار الثقافي والحضاري. وفي عصر يشهد فيه العالم ما يمكن أن نطلق عليه ثورة المعرفة في جميع التخصصات لاسيما تلك التي تخصص العلوم التجريبية الحديثة التي أصبح العالم يعتمد فيها علي ما تنتجه الحضارة الغربية- ومن دار في فلكها- من منجزات جعلت العالم يقف مذهولا من هذا التدافع المحمول علي التكنولوجيا الحديثة التي يبدو بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر أن لها عظيم الاثر في إعادة تشكيل الخريطة السياسية للمجتمعات كلها دون استثناء في الحاضر والمستقبل.. فهذا العالم يتطور بشكل كبير وفي اندفاع لم نر له مثيلا في العصور السابقة، حتي اصبحت المعلومات تتدفق فيه من غرب الأرض وشرقها في سرعة رهيبة جعلت العالم يعيش حروبا أخري غير تلك التي عاشتها البشرية في التاريخ القديم،. حروبا لم تعد اسلحتها القنابل والصواريخ كما كانت من قبل، لكن سلاحها الاكيد هو سلاح المعرفة، ولهذا لا يكون من قبيل المبالغة أن نطلق »حروب المعلوماتية«. ومن هنا تأتي اهمية وخطورة الدور الذي لعبته وتلعبه مكتبة الإسكندرية منذ افتتاحها في بدايات القرن الحادي والعشرين حتي هذه اللحظات الحرجة من تاريخنا المعاصر.. إن مكتبة الاسكندرية لا يصح التعامل معها بوصفها خزانة للكتب كما كانت المكتبات قديما.. وإنما هي مشروع ثقافي متكامل يتعامل مع الثقافة بوصفها بنية اساسية تتصل بالعصب الحساس في كيان الأمة المصرية، وهي تتصرف من منطلق الدور التاريخي الذي لعبته مصر في محيطها الجغرافي والتاريخي. ومن أهم الدراسات التي قام بها الاستاذ الدكتور محمد أمان عميد مدرسة علوم المعلومات والمكتبات بجامعة ويسكونسن في ميلووكي بتكليف من منظمة اليونسكو في تسعينات القرن العشرين إبان اضطلاع منظمة اليونسكو بالاشراف علي مشروع احياء مكتبة الاسكندرية القديمة. وما أعقب ذلك من تحديث لهذه الدراسة من جانب مستشاري مشروع أحياء مكتبة الاسكندرية القديمة وخاصة من المتخصصين في مجال تنمية المقتنيات من المكتبة البريطانية واستشاريين فرنسيين ونروجيين ومن الولاياتالمتحدةالامريكية.. وتتعدي اوعية المعلومات التي تقنيها المكتبة ما بين كتب ومراجع ودوريات علمية. ووسائط متعددة ورسائل جامعية، وقواعد بينات، ومخطوطات، وكتب نادرة، وغيرها. وتعتمد المكتبة علي الشراء كمصدر أساسي من مصادر الاقتناء.. والذي يتم عن طريق الناشرين، والموردين المصريين والعرب والاجانب.. تحصل مكتبة الاسكندرية علي ميزانية التزويد من وزارة المالية، وهي ميزانية مستقلة مخصصة لشراء موارد المكتبة من أوعية المعلومات.. هذا وقد بلغ إجمالي مقتنيات المكتبة حتي الأن مليون وأربعمائة وخمسين ألف وعاء تقريبا. كما تتلقي المكتبة العديد من الاهداءات من أفراد ومؤسسات وحكومات »محليا وعالميا« من بينها وأحدثها- الاهداء الذي تقدمت به الحكومة الفرنسية للمكتبة والذي يتمثل في حوالي 005 الف كتاب باللغة الفرنسية، كدليل علي عمق العلاقات الثقافية المصرية الفرنسية.. وفي هذا الصدد، تقدم المكتبة للباحثين حوالي 06 الف دورية و09 الف كتاب، من خلال اشتراكات المكتبة في 14 قاعدة بيانات متخصصة، والتي تضم مجموعات ثرية ومتنوعة من المقالات العلمية، وفصول الكتب، والابحاث المقدمة في المؤتمرات.. والرسائل الجامعية، والبيانات الاحصائية، وتتنوع قواعد البيانات ما بين إتاحة النصوص الكاملة أو المستخلصات أو البيانات البيلوجرافية لهذه المواد. ومن الجدير بالذكر أن مكتبة الاسكندرية تقدم جميع خدماتها بدون مقابل لجمهورها من عامة القراء والباحثين من مختلف الأعمار.. لقد خطت مكتبة الاسكندريةالجديدة رغم حداثة عهدها خطوات عملاقة ليس فقط في سبيل توفير خدمات المعلومات والخدمات المكتبية المتميزة، بل ايضا في التعاون الوثيق والشراكات مع أكبر المكتبات والمؤسسات المعنية بالمكتبات في العالم من خلال مشروعات رقمية كبري ومشروعات لتطوير ادوات عمل لاخصائيي المكتبات والمعلومات في العالم. مثل تعاونها مع مكتبة الكونجرس واليونسكو في مشروع رقمي عملاق لاكبر مكتبة رقمية عالمية. هذا وسيتم اطلاق باكورة انتاج هذا المشروع بنهاية هذا العام.. وهنا لا يسعنا الا الاشادة الواجبة بدور اساتذة علم المكتبات المصريين الكبار الذين اضطلعوا مشكورين بهذا العبء بشكل فردي علي مدار الاربعين عاما الماضية.. وتقوم مكتبة الاسكندرية ايضا بتقديم التدريب العملي بالمكتبة لتوفير التكامل بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي في هذا التخصص. ونظرا لما تتمتع به المكتبة من مكانة مرموقة علي مستوي العالم، فقد تم اختيارها من بين العديد من المكتبات المتنافسة لتصبح المركز الممثل للاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبة »الإفلا« في الدول العربية وذلك في اغسطس 7002 في مؤتمر الافلا السنوي في دربن بجنوب افريقيا. الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبة »الإفلا« هو الكيان الرائد والصوت المهني الدولي في مجال المكتبات وخدمات المعلومات منذ عام 7291 تصدر من خلاله أهم الارشادات والمعايير المهنية العالمية، ويمكن اخصائيي المكتبات والخبراء والمتخصصين في مجال المكتبات والمعلومات من التواصل الدائم من خلال شبكة الإفلا الدولية.