محطة العائلة المقدسة.. دير العذراء ببياض العرب يتحول لمقصد سياحي عالمي ببني سويف

استقبلت أرض مصر منذ قرون رحلة العائلة المقدسة، فخلدت محطات تلك الرحلة أماكن تحولت بمرور الزمن إلى رموز روحية ومراكز دينية بارزة، يأتى فى مقدمتها دير السيدة العذراء ببياض العرب شرق النيل فى بنى سويف، الذى لم يقتصر دوره على العبادة فقط، بل أصبح مع مرور الزمن صرحًا روحيًا وسياحيًا واقتصاديًا يفتح أبوابه للزوار من داخل مصر وخارجها.
وقال القمص اسطفانوس، مسؤول العلاقات العامة، إن تاريخ دير العذراء مريم ببياض العرب – أو ما كان يُعرف قديمًا ب«بياض النصارى» – يرجع إلى القرن ال15 الميلادى ويكتسب الدير أهميته الدينية من كونه إحدى المحطات التى مرت بها العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى صعيد مصر هربًا من بطش الملك هيرودس، حيث أقامت به السيدة العذراء والمسيح الطفل والسيد يوسف النجار ليلتين.
وتابع: «وفقًا للروايات التاريخية، أقيم الدير فى المكان ذاته الذى عثرت فيه ابنة فرعون على الطفل موسى، وقد ظل المكان كنيسة صغيرة حتى تهدمت، ليُبنى فى ستينيات القرن الماضى مبنى كنسى جديد لاتزال بعض آثار الكنيسة القديمة قائمة بجواره، مثل قطع الجرانيت المتناثرة التى تشهد على عمق التاريخ».
وأضاف «اسطفانوس»: «لم يعد الدير مجرد مكان للعبادة والرهبنة، بل توسع دوره ليشمل أنشطة متعددة ففى فترة الأنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف السابق، جرى ضم نحو 200 فدان من الأراضى الزراعية الخصبة حوله، ليصبح الدير بمثابة قلعة دينية واقتصادية، تجمع بين جمال الموقع على ضفاف النيل، وما يضمه من منشآت خدمية وزراعية وصناعية وأسهمت هذه التوسعات فى إضافة منشآت خدمية عدة، من بينها فندق مجهز لاستقبال الزوار يضم غرفًا وقاعات مؤتمرات تتسع لمئات الأفراد، إضافة إلى ورش صغيرة للمشغولات اليدوية، وأماكن لبيع الكتب والمنتجات الدينية، مما جعل الدير مقصدًا للباحثين عن الاستجمام والخلوة الروحية، إلى جانب الراغبين فى الاطلاع على تراثه وتاريخه».
وأوضح القمص أرميا مسؤول دير بياض العرب أن الدير بات يستقبل الآلاف من الأقباط سنويًا، خصوصًا فى فترة صوم السيدة العذراء التى تمتد أسبوعين، حيث تُقام قداسات يومية، ودراسات فى الكتاب المقدس، ونهضات روحية، ويشارك كورال كنائس الإيبارشية فى تقديم التماجيد والعروض الروحية.
ويرى القس فانوس القمص متياس، كاهن كنيسة الدير، أن المكان يمثل بركة روحية خاصة لزائريه، مستمدة من مرور العائلة المقدسة به ويضيف أن الكنيسة تضم مذبحين مخصصين للعذراء والقديسة دميانة، إضافة إلى مذبح متنقل، مما يعكس الطابع الروحى العميق للمكان، وقال المحامى مجدى شهدى، أحد زوار الدير، إن رحلته داخله هى «رحلة روحانية متكاملة»، خاصة أن الأنشطة الاقتصادية المتنامية داخل الدير لم تقلل من رسالته الدينية، بل ساعدت على توفير الموارد اللازمة لاستمرار التوسعات والإصلاحات، وضمان راحة وخدمة الزائرين.
وتابع: «يتوافد على الدير خلال فترة صوم العذراء نحو 50 ألف زائر، ويرتفع العدد بشكل لافت فى الليلة الكبيرة (آخر أيام الصوم) ليصل إلى أكثر من 30 ألف شخص فى يوم واحد ولا يقتصر الحضور على الأقباط المصريين، بل يشمل أيضًا زوارًا من الخارج، جاءوا طلبًا للبركة أو رغبة فى الاطلاع على هذا المكان المقدس».
وقال ماهر صابر خليل، أحد خدام الدير، إن رحلات العائلة المقدسة التى استمرت أكثر من 3 سنوات داخل مصر حولت كثيرًا من الأماكن إلى مواقع مقدسة يتوافد عليها الزوار، مشيرًا إلى أن دير بياض العرب كان إحدى تلك المحطات ويقع الدير على بعد نحو 7 كيلومترات فقط من مدينة بنى سويف، ويتميز بموقعه المباشر على نهر النيل، ما يجعله أحد أهم المزارات السياحية المسيحية فى صعيد مصر ويمثل الدير نموذجًا فريدًا للتكامل بين العبادة والتنمية، إذ يواصل الرهبان الحفاظ على رسالته الروحية، وفى الوقت ذاته تطوير أنشطة اقتصادية وخدمية تسهم فى استدامة المكان ودعم رسالته الدينية.