على الرغم من مرور أكثر من شهر على تصويت نحو 55% من بين الناخبين فى مقاطعة جنيف (44% من حجم الكتلة التصويتية) عاصمة القسم الفرانكفونى فى الاتحاد السويسرى لصالح العلمانية إلا أن الجدل ما زال دائرا حول القانون الذى يحظر ارتداء الشارات الدينية كالحجاب الإسلامى وقبعة الرأس اليهودية وعمامة السيخ وقلائد الصدر مثل الصليب ونجمة داوود والأيقونات والآيات القرآنية، وغيرها سواء من جانب السياسيين المنتخبين أو الموظفين العموميين فى مقار عملهم الحكومية. وهى النسبة نفسها التى أيدت فى عام 2009 حظر بناء مآذن المساجد، ثم حظر ارتداء النقاب أو أى غطاء للوجه فى وسائل المواصلات والأماكن العامة فى «تتشينو» أول إقليم سويسرى حظر النقاب فى 2016، والمتبع فى دول أوروبية أخرى مثل فرنسا التى كانت لها ريادة الحظر فى 2010، ثم تلتها بلجيكا ثم هولندا وإسبانيا، وتبعتهم مؤخرًا النمسا والدنمارك. وجاءت الموافقة على تطبيق وتفعيل القانون فى جنيف من أجل التأكيد على علمانية المقاطعة الفرانكفونية الأقرب نهجًا مع مقاطعة نيوشاتل إلى فرنسا دولة الجوار العلمانية، وهو ما يتفق مع روح الاتحاد السويسرى العلمانى الذى فصل الدولة عن الكنيسة منذ عام 1848 مع إعلاء قيم حرية الضمير وحرية التعبير فى إطار احترام النظام العام، والفصل بين المؤسسات العامة والمنظمات الدينية، والمساواة أمام القانون بغض النظر عن المعتقدات، وهو ما انعكس منذ عقود على الأماكن التى لها علاقة بخدمة الجمهور ومن بينها المؤسسات التعليمية والطبية والشرطة، والتى تخضع بالفعل لقانون المقاطعات السويسرية العام الذى يحظر الشارات الدينية فى الأماكن العامة. يفرض القانون الذى تم تمريره حظرًا على كافة الرموز الدينية لنحو أربعمائة جماعة دينية فى سويسرا، كما يتضمن عدة بنود أخرى مثيرة للجدل، تم الطعن عليها، ومنها ما يتعلق بالضريبة الدينية الطوعية، وتقديم المنح للمؤسسات الدينية، فضلًا عن حظر التجمعات الدينية فى الأماكن العامة إلا بعد الحصول على تصريح رسمي. ورفضت الجماعة الإنجيلية القانون واتخذت إجراءات للاستئناف والطعن بمعية حزب الخضر الذى أكد تحفظه تجاه تطبيق القانون الذى وصفته بأنه تمييزى وغير دستورى و«مثير للارتباك ويحض على الكراهية»، ومتعارض مع بنود الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وروح جنيف واتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، فضلًا عن كونه يمس بشكل مباشر عضوة المجلس البلدى فى بلدية ميران عن حزب الخضر «سابين تيجومنين أو تاج المؤمنين، وهو اسم عائلة زوجها الجزائرى الأصل»، والتى تعد المنتخبة الوحيدة المحجبة فى جنيف. وعلى الرغم من تأكيد سابين أن حجابها لم يمنعها من ممارسة عملها كممرضة ومن نشاطها السياسي، إلا أنها فى الوقت نفسه تعد من الشخصيات المثيرة للجدل فى المقاطعة بسبب تصريحاتها فى وقت سابق ضد زواج المثليين، وهو ما رآه البعض التهديد الحقيقى للتعايش والسلام الذى تنادى به النائبة. وفى تصريح للنائبة، أكدت أن حالتها الفردية وما قد يتم اتخاذه بشأنها ليس بذى قيمة أو بال، ولكنها ستقوم بواجبها كناشطة لرفض الرسالة السلبية التى ينقلها القانون إلى شباب المقاطعة بعدم احترامه الحريات الفردية. وقد شهدت السنوات الخمس الماضية، نقاشات مطولة وساخنة فى برلمان المقاطعة حيث وقف وراء القانون وطرحه للاستفتاء كل من الوزير «بيير موداي»، وكذلك أحزاب اليمين والوسط، بينما عارضته أحزاب اليسار والخضر والجماعات النسائية والنقابات والمواطنون المسلمون ممن تقدموا بطعون ضد القانون الذى يرونه متعارضًا مع بنود الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وروح جنيف. من جهة أخري، وافق ممثلو الطوائف الدينية الرئيسية المسيحية على دعم القانون من منطلق الحياد الديني، على الرغم من تحفظهم حول المادة الخاصة بما يرتديه موظفو الخدمة المدنية المحلية، مع التأكيد على كونه ليس ضد الحجاب الإسلامى الذى تزايد عدد مرتدياته مع موجات طالبى اللجوء التى تلت الحراك العربى عام 2011. من جهة أخري، أكدت عضوة المجلس البلدى فى بلدية ميران عن حزب الخضر «سابين تيجومنين»، أن ذلك القانون يضر بالتعايش والسلام فى المقاطعة. الجدير بالذكر أن الاتحاد السويسرى مكون من نحو ست وعشرين مقاطعة (كانتون)، تتحدث أربع لغات هي: الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانشية، فضلًا عن أربع طوائف دينيَّة رئيسة: الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية والإسلام. ويستند الاتحاد فى نهجه إلى دستور عام 1874، الذى أكد على علمانية الاتحاد بفصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية، الذى تتبدى ملامحه فى مدنية عقود الزواج واقتصار سلطة رجل الدين على منح البركة لمن يرغب، وعقد الزواج الدينى كلاحق بالزواج المدنى وليس قبله، هذا فضلًا عن خضوع المقابر لسلطة الدولة التى تتيحها للجميع بدون تفرقة عقائدية وغيرها من البنود التى تؤكد المواطنة والمساواة.