لم يحدث فى السابق قط أن وصل بعض المثقفين إلى هذا الثراء، إلا من ورث الثروة عن مصادر طبيعية معروفة، ولكن ظاهرة العمل فى خدمة الأمراء أنتجت هذه العينة المُستحدَثة التى تعيش بمستويات ترف غير مسبوقة، فيمتلكون الفيلات والشاليهات والسيارات بحجم المركب، ويسافرون بدعوات فى طائرات خاصة أو فى رحلات مميزة، وينزلون فى أجنحة فندقية لا يرتادها إلا عِلية البيزنس، وينفقون عن سعة، مع الأناقة فى المعاطف والبذات والقمصان وربطات العنق والقبعات والنظارات والقفازات والساعات والأحذية، حتى تظن أن الواحد منهم «مانيكان»، بعد أن تدرب على عدة الشغل، وطوّر مهارات الكلام والإنصات، وصار خبيرا فى الجلوس أمام الكاميرات، بأمل أن يبدو أكثر جاذبية وإقناعا، وهو يبتسم أو يتجهم أو يزمّ شفتيه أو يُطرِق أو يعيش دور الشارد المهموم بأفكار عميقة..إلخ! وهذا لا يعنى التشكيك فى علم أحد من هؤلاء وإنما المقصود إعادة النظر فى نزاهته العلمية، والإشارة إلى أنه يستخدم ما لديه من علم فى التدليس، بخلط ما لا يجوز خلطه، أو بالسكوت عن جانب، بما يُخلّ بالعرض الموضوعي، أو بالمبالغة فى التركيز على جانب، بما يوحى بغير الحقيقة. ثم، وإذا به مع الإيغال أكثر فى مجافاة العلم، يتدهور أداؤه إلى الديماجوجية الصريحة، فيتجنب المصطلحات العلمية المنضبطة ويلجأ إلى التعبيرات الدارجة الغوغائية، لإحداث الإيحاء الذى يريده، ثم يذهب فى نقلة نوعية لمساره إلى الهجاء الصريح لخصوم من يدفع له الرواتب والحوافز والنفحات فيما يتبقى بعد تقفيل الميزانية. انظر إلى عدد من هؤلاء على القنوات المعادية، الذين يحبون أن يحملوا صفة المناضلين، وهم يتعمدون أن يدمروا أى إمكانية للعودة إلى بلادهم، بالمبالغة فى التطاول البذيء على المسئولين ونظام الحكم، وأما هدفهم المكشوف فهو أن يحنّ عليهم قلب من يعملون فى خدمته فلا يستغنى عنهم، وإلا فإنه يلقى بهم فى يد العدالة التى إن أنصفت لأصدرت ضدهم الأحكام المغلظة. فأين هؤلاء من المناضلين الحقيقيين الذين كانوا يدفعون من دخولهم الشحيحة ويصمدون أمام عُسْر الحياة وتقييد الحرية؟! لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب