في عالم مواز تخلق المانيكانات حياة داخل واجهة المحلات، ويقال إن المانيكانات ظهرت لأول مرة في عام 1860 في المحلات التجارية الكبري دون رأس ولكن الحقيقة أنه لا أحد يعلم تحديدا متي ظهرت أول مرة، ويبدو هذا العالم مثيرا للخيال بتلك القوالب المتعددة والتفنن في صناعتها لتبدو أقرب للحكايات البشرية بنظرات متأملة، وبين مشتري يتجول بحرية ومانيكان يقف في حيز ضيق لا يمكن أن نجذم من يتأمل من حقا، وحين خرج معرض الفنان سمير فؤاد »طعم الزمن« منذ فترة بجاليري بيكاسو توقفت كثيرا أمام اثنين من اللوحات التي ضمهما المعرض حيث البطولة الموازية للمانيكان بصورته التقليدية التي رأيناها في محلات الترزية القديمة . ربما لم تكن المرة الأولي التي يقدم فيها الفنان المانيكان في لوحاته، فالحكاية تعود إلي سنوات بعيدة كما يرويها الفنان إذ يقول: في الثمانينات وجدت مانيكان من الذي يستعمله الترزية في أحد محلات الأشياء القديمة حيث كنت أحب التسكع فيها .. اشتريته دون أن يكون في ذهني -مثل معظم الأشياء التي كنت أقتنيها- ماذا سأفعل به، وبعدها بفترة وجدت آخر واشتريته أيضا وظل الإثنان قابعين في المرسم لسنين طويلة .. وذات يوم في أوائل التسعينات بعد حديث مع حسن سليمان عن كيفية تصوير عناصر سوداء أمام بعضها وكيف يختلف الأسود في مقدمة اللوحة عن الآخر الذي في خلفية اللوحة...أردت أن أطبق هذا فبدأت في رسم المانيكان وخلفها ستارة سوداء وأمامها منضدة عليها مفرش أسود وزجاجة سوداء...لم تكن النتيجة ناجحة كما أردت لأن المثلث الأحمر في صدر المانيكان خلق حالة أخري غير التي كنت أبغيها ولكن ما حدث هو أنني اكتشفت الإمكانات الكبيرة التي يمكن أن تعطيها المانيكان كعنصر للتصوير.. يستطرد الفنان: رسمت في التسعينيات عدة لوحات بها ثنائي المانيكانات في حالة حوار أو لا حوار جميعها علي خلفية سوداء ثم كعادتي مع العناصر التي أرسمها تركتها علي أمل العودة إليها في يوم ما.. ومع الأسف ليس لدي أي صور باقية لهذه الأعمال.. وعادة ما يقدم الفنان سمير فؤاد المانيكان بشكله الآدمي المختزل .. بدون رأس ولا أطراف .. ذلك الذي كنا نراه قديما، وحتي بعد تغير صناعة المانيكانات يظل المانيكان بصورته القديمة هو البطل، حيث يفسر فؤاد قائلا: فكرت في المانيكانات الحديثة لكن لم تكن بمثل المانيكان القديم في الغموض وبالتالي كم الإيحاءات التي تعطيها، حيث يظهر المانيكان القديم بدون رأس ولا أطراف لذا فهو يمثل اللافعل والعجز بامتياز، وهذه نقطه مهمة في المفهوم الذي أريده، ولكنه أيضا بشكله الفخيم يعطي إنطباعا بالأهمية وكأنه واحد من الباشوات المملوئين بالغطرسة وهذا التناقض يعطيه هذا الحس السيريالي. ويجيد الفنان سمير فؤاد التعبير عن مختلف القضايا بتلك العناصر التي يوظفها ، إذ يوظف الفنان فكرة المانيكان للتعبير عن قضايا المرأة المقهورة في ظل وجود الرجل الحاضر الغائب، الأمر الذي يقول عنه الفنان: في أوائل الألفية الجديدة كنت أريد رسم عروسة في ثوب الزفاف وجاءت فكرة المزاوجة بين المانيكان والعروس تعبيرا عن واقع المرأة التي ليس لها حرية الاختيار في الغالب وظل راجل ولا ظل حيطة .. هنا يجب أن أقول إن الموضوع عندي ليس إلا البداية لأنه مع الوقت تأخذ اللوحة مسارات أخري وتتفرع أفكار وإسقاطات ولهذا رسمت هذه اللوحة أربع مرات وحتي الآن أجد أن هناك المزيد الذي يمكن أن تقوله. ويعاود المانيكان الظهور في بعض لوحاتي وهو دائما يمثل الذكر المسيطر الحاضر في الخلفية دائما حتي ولو كان بلا قدرة حقيقية. وربما لا يقتصر القهر المجتمعي علي ذكورية المجتمع وغياب الدور الحقيقي للرجل ففي واحدة من اللوحات التي قدمها سمير فؤاد من قبل تبدو العروس فتاة صغيرة لا حول لها ولا قوة تقف وراءها امرأة أكبر سنا وقفة تنم عن سيطرة وفرض وجود في ظل وجود المانيكان في الخلف حيث يقول فؤاد عن ذلك العمل: العروس في لوحاتي هي السلعة .. هذا مفهوم شائع في تفكيرنا عن الزواج، أما أن تكون قاصرا فهذا يجعل الفكرة صادمة أكثر، والأكثر صعوبة أن تكون الأم التي مرت في ذات التجربة شريكة في عملية البيع ..ويجعلنا نتساءل هل لدينا فعلا الحرية لنختار مسلكا مختلفا أم أننا أسري . ويبدو هذا التناقض المجتمعي جليا في لوحات المانيكان والذي انعكس تشكيليا أيضا بين اللون الأبيض لفستان العروس والأسود للمانيكان، فلا الأبيض دليل الفرح ولا الأسود لبدلة العريس يؤكد وجوده الفعلي، كذلك وعلي الرغم من حالة الاقتراب الشديدة التي تبدو عليها العروس من جسد المانيكان في أكثر من لوحة حيث تحتضنه بقوة إلا أن هذا الاقتراب ينقل إلينا عزلة شديدة وبؤس يتضح في النظرات وفي امساكها بباقة الورد . ويبدو أن تجربة المانيكان هي تجربة ممتدة ولم تكتمل بعد، حيث يري الفنان سمير فؤاد أن كثيرا من العناصر تصاحب الفنان لفترات طويلة تخرج وتدخل إلي مسطحه التشكيلي.. مضيفا : أنا عادة لا أبدا بفكرة واضحة.. العناصر تكون أوضح من الفكرة .. ثم تأخذ العناصر من خلال عمليات التركيب والهدم وإعادة التركيب في تركيز فكرة أو مفهوم وأمسك الخيط وأتابعه .. طبعا يأتي هذا متسقا مع أفكاري وقناعاتي.. وحين سألت الفنان سمير فؤاد عما إذا كان من المتوقع أن نري المانيكان في معرض فردي قائم بذاته، أخبرني: حاليا عندي مشروعان أود الإنتهاء منهما، ومن الممكن أن يكون المانيكان عنصرا في أحدهما أو كلاهما أو لا يكون .. ولكنني لا أريد أن أجزم .. وربما يكون هناك معرض يأخذ فيه المانيكان عنصر البطولة.