يتخذ ملامح وجه إنسانية لحد كبير، عينان مفتوحتان دائمًا، جسد متكامل، رشيق دائمًا، يظل واقفًا، أو يهوى مالكه أن يُجلسه فيضع له كرسي داخل "بيته الأبدي" الصندوق الزجاجي، كان قديمًا مجرد دُمية "لعبة على شكل إنسان"، تحمل اسمًا إنجليزيًا "المانيكان" أو ما يقصد به تماثيل عرض الملابس بالمحال التجارية. في مصر أصبحت الدمية تتخذ طابعًا إنسانيًا لا في الملامح فقط، ولكن في بعض تفاصيل ومواقف الحياة اليومية، فطبيعي الآن وبعد جموح الأسعار لحد لا يتوقف، تجد سيدة تحسد "المانيكان" على ارتداء معطفًا شتويًا لا تستطيع هي شراءه إلا إذا اقتطعت أكثر من نصف راتبها أو راتب زوجها. كادت "المانيكانات" أو تنطق وتروي لنا ما تشاهده يوميًا من أحاديث بين رجل وزوجته حول هذا القميص أو ذاك وكم يبلغ ثمنه بعد شراء "الجاكيت" والبنطلون، سيدة وابنتها وهي تنهرها ألا تصر على هذا الطقم تحديدًا فهم "على قد حالهم"، تريد أن تلتقط طرف الحديث منهم أن خذوا ما أرتديه، ليُلبسني صاحب المحل ملابس جديدة أشتهيها، ف"للمانيكان" أحيانًا أمنيات.
أعلم عم تضحك هذه الفتاة، بالتأكيد على هذا التناقض الكبير بين ما هو مكتوب على بيتي الزجاجي "تخفيضات" وما يُكتب على ملابسي، هي وصديقتها يتجادلان بشأن هذا المعطف الوردي، تقول لها "هناك تخفيضات" فتجيب الأخرى "سرقة في سرقة!" وأخيرًا ينتهي اللقاء بذهابهما وبقائي وحدي هكذا. أما تلك فيبدو أن ابنتها من هول الأسعار تركتها وذهبت ومازالت تناديها "انتظري هناك تخفيضات". بالرغم من ملامحنا المختفية إلا أننا بواقع خبرتنا وبقائنا بهذه المنطقة منذ فترة كبيرة، نعلم جيدًا ما جاء بخاطر هذه السيدة وزوجها، حتمًا قال لها نحن في نهاية الشهر أو "العيال أولى" أو أين التخفيضات، في النهاية سيرحلون جميعًا دون أن يجعلونا نمارس هوايتنا المفضلة "تبديل الملابس".
621 جنيها..489 جنيها.. ما هذا؟ المانيكان يرتدي ملابس تعادل نصف راتبنا بالحوافز!، هذا الرجل عيناه وتعبيرات وجهه العاجز عن النطق يقولون ذلك، نعم يحق لهم أحيانًا أن يحسدونا على ما نحن فيه. أي شاب يريد أن يرتدي هذا الطقم الذي يتناسب تمامًا مع "موضة" العصر ألوان زاهية و"ماركات" جيدة ولا بأس من تقليد جلستهم عندما يتسامرون أو يريدون أن تظهر صورهم بمنتهى "الكجولة"، حتمًا سيعولون على الوالد وبعض الأصدقاء ويأتي أحدهم وينتزع هذه الملابس من فوقي وأستعد أنا لثوب جديد وجِلسة تناسبه.
نمد أيدينا إليكم ونناديكم انتظروا، لا تولوا وجوهكم عنا نعلم جيدًا أننا بموسم الشتاء والقابض فيه على معطف أو "بلوفر" منذ العام الماضي، كالقابض على كنز ثمين، الأرقام التي تُلصق على أطراف أثوابنا أول مرة نعرفها أو تمر علينا، أما نحن الصغار فكل يوم نرى أطفالًا يأتون إلى هنا يعجبون كثيرًا بما نرتديه، يصرخون في وجوه آبائهم "أريد هذا مثل هذا الطفل الذي بالداخل"، فالبعض يستجيب والآخر يتركهم يبكون قليلًا.. حقًا نشفق عليهم وعليكم.