فارق كبير بين أن تقدم عرضا للطفل تروى له الحواديت والحكايات فى قوالب درامية متعددة الأشكال، وبين أن تلعب معه كما لو كنت فى سنه.. فتنبش فى وجدانه ومخيلته وتجذبه نحو سحر الطبيعة ليتفاعل معها دون خوف أو قلق، فتذوب بينكما حواجز العمر والعقل واللغة.. هذا بالضبط ما حققته عروض مهرجان حكاوى فى دورتها التاسعة التى انتهت أمس بالقاهرة بعد نجاحها بالإسكندرية وتوجهها للعرض فى المنيا. المهرجان الذى أسسه الفنان محمد الغاوى استطاع من خلال 8 عروض هولندية وأمريكية وبريطانية ودنماركية ومصرية وفرنسية أن يطرح مفهوما مغايرا لمسرح الطفل مبتعدا عن الشكل الأكثر انتشارا فى مصر والمعروف باسم مسرح الأسرة أو العائلة، والتى تم تقديم عدد منها ضمن الفعاليات، لكنه اختار أن يرسخ بالعروض الأجنبية فكرة التحديد العمرى لكل عرض بدءا من سن سنتين وحتى 14 عاما.. مثلما شاهدنا العرض الهولندى «هِى هُو» الذى استهدف سن العامين فما فوق ليقدم من خلال ممثل وممثلة لعبة جسدية فى غاية البساطة اصطحبا فيها الصغار فوق خشبة المسرح ليتفاعلوا مع عرضهما مفترشين الأرض فى شكل مربع ليجسدا معا شرنقات الدود والفراشات وهى تزحف على الأرض والأشجار حتى تخرج من عزلتها إلى الطبيعة الرحبة، فيتبادلا المقالب الكوميدية هربا من تساقط الأمطار وتقلبات الجو معتمدين فقط على لغة الجسد ومراهنين على ذكاء الطفل وفطرته مهما تكن جنسيته أو لغته، وهو ما نجحا فيه بتفاعل الصغار وإلقاء قطع الفشار عليهم وجذبهم لغرس الأشجار فى باطن الأرض.. بينما استهدف العرض الأمريكى «زوو زوو» الجمهور بدءا من ثلاث سنوات، وهو عرض كوميدى يرصد حياة الحيوانات من خلال دمى بشرية ترتدى أقنعة ضخمة للحيوانات المختلفة وتمارس الألعاب البهلوانية والرقصات الصامتة على أنغام الموسيقى الجذابة، فتجاوب معها الصغار رقصا وتصفيقا.. وجاء العرض البريطانى «ستورم» ليقدم نموذجا علميا ترفيهيا لكيفية التعامل مع أطفال التوحد باستخدام عناصر من رائعة شكسبير العاصفة لنسجها فى تسلسل درامى يعلم جمهوره، الذى لا يتجاوز أربعة أطفال فى كل مرة، مفردات الطبيعة كالبحر والجزر وما إلى ذلك.. وهى كلها نوعية من العروض نتمنى أن تنتشر فى مصر نظرا لجاذبيتها وصغر مساحتها الزمنية وقلة تكاليفها الإنتاجية وسهولة تنقلها بين المحافظات والشوارع والحدائق العامة لتحقق فكرة الترفيه ورسم البهجة على وجوه الجميع.. كما نتمنى أن تلقى مثل هذه النوعية من مهرجانات المجتمع المدنى مزيدا من دعم وزارة الثقافة.. ولا ننسى أن نجاح المهرجان لم يكن ليكتمل إلا بما بذله فريق عمل مركز الهناجر للفنون من جهد لتوفير كل الإمكانات التقنية وحسن استقبالهم للجمهور بالبسمة التى لم تغب عن وجوههم دوما.