مازالت الأخبار الكاذبة تطل برأسها من حين لآخر، وتقتحم أبواب الدول والمجتمعات بقوة لتكون بمثابة آفة تهددها، وعلى الرغم من أنها ليست ظاهرة جديدة فإنها قد تحولت فى الآونة الأخيرة إلى صناعة متكاملة الأركان نتيجة للطفرة الهائلة فى تقنيات وأساليب نشر الأخبار، وتصاعد تأثير المنصات الإخبارية الافتراضية ضمن شبكات التواصل الاجتماعى وتزايد قدرة الأفراد على صياغة وبث الأخبار، بالإضافة إلى تعدد الفاعلين المشاركين فى هذه الصناعة ،مستفيدين من المزايا التى أضافتها منصات التواصل الاجتماعى وجعلت من السهل على المستخدمين القيام بنشر أى محتوى ومشاركته بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع من دون الاستناد إلى مصادر موثوقة أو إخضاعه للتدقيق. ولايقتصر التضليل على الخطابات والأخبار فقط، حيث إنه يتم توظيف الصور المفبركة أو صور تم التقاطها فى سياق مختلف لخدمة قضية معينة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه حرب الصور بهدف كسب التعاطف، واستقطاب المؤيدين، واستعراض القوة والتأثير النفسى فى الخصوم. وتعتمد تصنيفات الأخبار الكاذبة على معيارين أساسيين ،هما درجة الفبركة(وتعنى مدى تراوح المحتوى بين الحقيقة والكذب)، ومستوى توافر النية فى التضليل أو الخداع. وكانت هناك أسباب أدت إلى انتشار الأخبار الكاذبة كتراجع ثقة الجمهور فى وسائل الإعلام على مدى العقود الماضية فى ظل الاتهامات الموجهة إلى هذه الوسائل من جانب السياسيين، وأيضًا تعدد أنماط الفاعلين المشاركين فى نشر المعلومات المزيفة بداية من جيوش التضليل التابعة للدول مرورًا بمجموعات الاختراق وشركات الترويج للتضليل المعلوماتى وانتهاء بالأفراد، فضلًا عن إساءة استخدام المنصات الإعلامية ونشرها بعض الأخبار الكاذبة لإرضاء مصادر التمويل والتيارات السياسية والحزبية والمؤسسات الداعمة لها، وكذلك تطور صعود المنصات الافتراضية الذى جعلها منصات مثالية لإطلاق حملات التضليل المعلوماتى ونشر الأخبار الكاذبة بسبب انخفاض تكلفة إطلاق حملات الأخبار الكاذبة من خلال تلك المنصات مقارنة بالوسائل الإعلامية الأخرى. وفى ظل اختراق الأخبار الكاذبة فإنها تلقى بتداعياتها المحتملة على الدول والمجتمعات، ففى إطار التداعيات السياسية يتم توظيف مثل هذه الأخبار لتقويض ثقة المواطنين فى مؤسسات الدولة واختراق المجتمعات وإشعال التوترات بين الدول والاغتيال المعنوى للشخصيات العامة وتعزيز النفوذ الخارجى للدول، كما أن لهذه الأخبار الكاذبة تداعيات اقتصادية كالتأثير على القرارات المالية للأفراد،والإساءة لسمعة الكيانات الاقتصادية،والتأثير على حركة الأسواق المالية. كما يمتد تأثيرها إلى إحداث تداعيات مجتمعية كتصاعد الاستقطاب المجتمعى ويرتبط ذلك بالأحداث السياسية المهمة مثل الانتخابات أوالمشروعات القومية المهمة، فضلًا عن إثارة عدم الاستقرار داخل المجتمعات المختلفة بإحداث حالة من الارتباك والتخبط ،خاصة مع اختلاط الحقائق بالأخبار الكاذبة وصعوبة التمييز بينهما، أضف إلى ذلك أن نشر الأخبار الكاذبة عبر منصات التواصل الاجتماعى حول موضوع معين قد يسفر عن نشر الشائعات. ولذلك تصدرت قضية الأخبار الكاذبة قائمة الأولويات لعدد كبير من الدول لوضع خطط وآليات سريعة للحد من انتشارها، وكانت مصر من ضمن هذه الدول التى اتخذت خطوات فعالة لمواجهة مثل هذه الأخبار الكاذبة حماية للمجتمع، ومن بين تلك الإجراءات سن تشريعات جديدة، وتخصيص النيابة العامة أرقام هواتف لتلقى البلاغات عن الأخبار الكاذبة عبر تطبيق «واتس آب» والرسائل النصية القصيرة. وفى ظل الظروف التى تمر بها مصر حاليًا ومحاولة إحداث شرخ بين الشعب والنظام السياسى، ومن أجل القضاء على الأخبار الكاذبة فى مهدها فلابد من وجود مؤسسة ما ترد على مثل هذه الأخبار الكاذبة والشائعات أولًا بأول إلى جوار مركز دعم القرار التابع لمجلس الوزراء،ومن أهم الأمثلة فى هذا الصدد قيام الاتحاد الأوروبى بتأسيس فرقة عمل شرق ستراتكوم لمواجهة الأخبار الكاذبة على الإنترنت. ولأن مواجهة الأخبار الكاذبة، ووقف طوفان الشائعات والتضليل والميليشيات الإلكترونية بالقوانين ليست الحل الأمثل فى بعض الأحيان، نظرًا لطبيعة المنصات العنكبوتية وقدرتها على التكاثر والهروب والتمدد والتمويه، فإن مفهومى التثقيف الإعلامى والتوعية الإعلامية لهما أولوية قصوى للوقاية من الأخبار الكاذبة، ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن المستخدمين من الأفراد هم خط الدفاع الأول ضد الأخبار الكاذبة من خلال تجنبهم الأخبار ذات العناوين غير الواقعية التى تعتمد على جذب النقرات، وعدم الاكتفاء بقراءة العناوين والاهتمام بقراءة محتوى الخبر وتقييمه، والتحقق من صحة الخبر من عدمها من خلال وسائل الإعلام الأخرى وما إذا تمت الإشارة إلى الخبر فى مصادر أخرى، والتدقيق فى الروابط والمصادر التى يستخدمها المقال لتدعيم القصة والتأكد من عدم نشر المعلومات الخاطئة،والبحث عن مؤلف الخبر ومصدره ومكان وتوقيت نشر المحتوى. وأخيرا تتطلب مواجهة الأخبار الكاذبة تكاملًا بين المؤسسات الدولية والحكومات والقطاع الخاص وشبكات التواصل الاجتماعى والمجتمعات ومؤسسات المجتمع المدنى والأفراد لتطوير إجراءات أكثر فاعلية ومرونة لمواكبة التطور المتواصل فى أدوات وتقنيات وأساليب نشر الأخبار الكاذبة وتحجيم أدوار الفاعلين المنخرطين فى صياغتها ونشرها عبر الإنترنت. لمزيد من مقالات د. هشام عبد الملك