فى ثنايا نوبات هوس وتشنجات أردوغان ضد مصر وزعامتها يظهر ما يشى بأن الرعاة الإقليميين لجماعة الإخوان باتوا يدركون تغير الأوضاع، وأنه لا مفر من فك جمود جماعتهم المعزولة وإعادة تدويرها بعد أن صارت عبئًا عليهم. توقف أردوغان عن ترديد مزاعم أحقية الإخوان فى السلطة، وبات كل ما يتمناه أن تفرج مصر عن قيادات جماعته مقابل ترميم العلاقات بين الدولتين، وهو العرض الواهم الذى طرحه فى ختام هجومه الأخير على مصر، ورفضته مصر بشكل رسمى على لسان المتحدث باسم الخارجية المصرية، الذى وصف حالة أردوغان بدقة كونه يعانى مرض الحقد على مصر وقائدها، رافضًا عرض أردوغان المستحيل بقوله إن تصريحات الرئيس التركى تعبر عن مواصلة احتضانه لجماعة الإخوان الإرهابية ومناصرتها. انتهت جماعة الإخوان من المشهد الإقليمى والعربي، وكانت أحد أكبر أسباب فشل وعجز نظام أردوغان على جميع المستويات، وهو الذى يعاند ويستكثر الاعتراف بالنتائج ويفضل مواصلة إنكار الواقع مع إطلاق تصريحات عنترية عساها تنقذ شعبيته المنهارة خلال الانتخابات المحلية الوشيكة، بينما يشعر قادة الجماعة باقتراب تنفيذ الأحكام القضائية ضدهم، ما دفعهم للتضحية بمطلب عودة مرسى وتسليم شباب زجوا بهم للقيام بعمليات إرهابية، ثم الدفع بعرض أردوغان الأخير والذى رفضته مصر بوضوح. تلك مناورات اعتادت جماعة الإخوان لعبها فى مثل هذه المراحل، ولا ننسى أن مؤسس الجماعة نفسه حسن البنا عندما ضاق الخناق حوله اعترف بجهازه السرى المسلح، ولم يتردد فى التبرؤ من أعضائه مقابل إنقاذ القيادات عندما أطلق بيانه الشهير «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين». يصعب تصديق رواية تسليم أحد الإرهابيين الشباب من أعضاء الجماعة الإرهابية للقاهرة عن طريق الخطأ، سواء تم تصويرها أنها كانت نتيجة تقاعس من قبل قيادات الإخوان المسئولة عن الاتصال بالأجهزة التركية، أو صورها البعض كخطأ إجرائى وقع فيه ضباط المطار الأتراك، لكن ما هو واضح وأكدته عروض أردوغان الأخيرة المرفوضة أن الجماعة وراعيها الإقليمى يتوهمان إمكانية مساومة مصر فى سبيل إنقاذ قيادات الجماعة الكبار وعدم إنفاذ أحكام القضاء بحقهم. بصحبة جماعة الإخوان وبالتحالف معها يمعن أردوغان فى الاستبداد وبات غير قادر على المواصلة فى السلطة إلا من خلال اضطهاد المعارضين، وهو ما يؤشر إلى أن نهاية حكمه باتت قريبة، ولذا يشرع بعض رفاقه القدامى الذين اعتزلوا المشهد أو تم إقصاؤهم وفى مقدمتهم عبد الله جول، فى تأسيس حزب جديد فى استنساخ لتجربة انشقاقهم عن الرفاة، بمعنى تكرار سيناريو إزاحة نجم الدين أربكان مع أردوغان نفسه. وكما انتهت جماعة الإخوان أوشك حكم أردوغان على الزوال؛ فالأتراك يشعرون بالخطر من استمرار حكم أدخلهم مستنقع الشرق الأوسط معتقدًا أنه سيبعث السلطنة العثمانية بالحروب، وأفسد علاقات تركيا بأوروبا وأمريكا والعرب، وهدد تركيا بأن تلحق بقطار التقسيم وانهيار وحدتها بعد شن الحرب على الأكراد. يتلخص حال تركيا الأردوغانية الآن مع جماعة الإخوان فى نظام فاقد الأهلية والشرعية والمقدرة على إدارة الدولة، ويواجه شبح السقوط وغضبًا شعبيًا متصاعدًا، لذا يلجأ للجماعة الإرهابية لتسنده بالانتخابات بخطاب طائفى وإرهاب المعارضين، وهذا سر الصورة المسربة أخيرًا لاجتماع ياسين أقطاى مع رؤوس الإرهاب الهاربين، وهذا هو الفارق بين مصر كدولة وطنية تستمد مشروعيتها من الشعب ومن الإنجازات الحقيقية، مقابل أنظمة مخترقة من تنظيمات توظفها فى أعمال قذرة. يكاد أردوغان يُجن من قائد عربى مصرى فكك له جماعته وأحرق أوراقه وقلب المعادلات الإقليمية ضده وفى وجه مشاريعه، وبات بعد أن قضى على الجزء الأكبر من الحالة الإرهابية أكثر جماهيرية داخل دولته وفى محيطه الإقليمى والعربى وانحازت لتصوراته كل دول العالم تقريبا، وصارت معالجاته فى مواجهة الإرهاب معبرة عن مضمون إرادة دولية بشكل يصعب على تركيا وإيران وقطر تحديها، وهو ما تم ترجمته فى شرم الشيخ خلال القمة العربية الأوروبية عندما ظهر التنسيق والتعاون على أعلى المستويات فى الحرب على الإرهاب والهجرة غير الشرعية بين القاهرة والكثير من العواصمالغربية. إذن لا تتناسب المحصلة البائسة بصحبة جماعة الإخوان مع ما يبديه أردوغان من عنترية ومساومات، وليس أمام أنقرة إلا الرضوخ للواقع الذى فرضه المصريون وقائدهم على الأرض والتخلى عن أوهام التنظيمات ومناوراتها المكشوفة؛ والمطلوب من تركيا كدولة سواء استمر أردوغان فى الحكم أو لم يستمر التوقف عن استهداف الجغرافيا العربية باجتزاء المناطق الإستراتيجية منها، والتوقف عن انتهاك سيادة الدول العربية، علاوة على تفكيك التحالف الإيرانى التركى القطرى الذى يستهدف الأمن القومى العربي، والتخلى عن أوهام العثمانية الجديدة وعن رعاية جماعات إرهابية، وإظهار الاحترام لمصالح الدول العربية ولمنظمتهم الإقليمية الجامعة العربية. لمزيد من مقالات هشام النجار