عثرت جماعة الإخوان على من تتوهم كونه زعيمها العالمى ويتوافد قادتها وأعضاؤها لمبايعة ومباركة أردوغان الذى لا يزال يردد صيحة مرسى فى استاد القاهرة «لبيك يا سوريا». طرح البعض هذا السؤال التخيلى خلال السنوات الأربع الماضية؛ ماذا لو لم تقم ثورة يونيو وتجتمع القوى الوطنية المصرية فى 3 يوليو 2013م لعزل جماعة الإخوان عن السلطة؟ هناك اختلافات كثيرة بين النموذجين المصرى والتركي، لكنها مقاربة تخيلية نقف بها على خصوصية الحالة الحضارية المصرية وثوابتها الوطنية ومناهج أدائها السياسى المسئولة التى تلزم نخبتها بمراعاة اعتبارات الخارج، واحترام توازنات قواه الدولية والإقليمية، وترعى ما هو بمثابة الثوابت التاريخية فيما يتعلق بالأمن القومى العربي. وفى الوقت نفسه تحافظ على تماسك الداخل عبر صد كل ما من شأنه تعكير صفو الوحدة الوطنية والتعايش بين مكونات المجتمع المصرى الذى تضبطه تقاليد تاريخية غالبة على الأيديولوجيا تعود لخصوصية فى طبيعة الشخصية المصرية. يقضى أردوغان بمعاونة عناصر غريبة عن المجتمع التركى من مختلف التنظيمات المتطرفة فى العالم على تعايش الأتراك والأكراد، محاولًا قطع صلات الأكراد التى لم تنقطع على مدى عشرات السنين بتركيا. المنطقى أنه إذا كان هناك تحد خارجى حقيقى يواجه دولة ما، فقادتها يشرعون فى توحيد قوى الداخل لمواجهته والتصدى له، لكن لأن طبيعة ما ينخرط فيه أردوغان خارج تركيا تندرج تحت عنوان المغامرات والغزوات والفتوحات التى لم تكتمل، لأنها ضد منطق العصر والتوازنات الدولية، فهو يضاعف من تهميش قوى الداخل ويزيد من تعميق الانقسامات داخل تركيا، سواء بممارساته ضد الأكراد، أو ضد كل معارض لحكمه. هذا هو مصير كل نظام أيديولوجى مغامر يعجز قادته نتيجة اعتبارات كثيرة عن تحقيق شيء يذكر مما أطلقوه من وعود وشعارات التمدد واستعادة الخلافة والسيطرة على الإقليم توطئة للهيمنة على العالم، فيلجأ لزرع الفتنة والشقاق بين الأشقاء فى الداخل لتثبيت حكمه. لم يكن محمد مرسى ومن ورائه التنظيم الدولى للإخوان ليستطيع إنجاز بند واحد من قائمة مشاريع الجماعة الخارجية، والعالم لن يكترث بعنتريات فارغة، وحتى تواصل الجماعة حكم مصر كان مُطَالبًا من «خليفته» بأنقرة أن يرتهن الواقع المصرى لحرب أهلية خادمة لتطلعات أردوغان فى تقويض النظام الجمهوري، واستعادة شكل السلطنة العثمانية القديمة. حمت مصر شعبها ومجتمعها من هذا المصير، فهناك حرب أهلية تركية كردية قائمة بالفعل ومناطق ومدن الأكراد بتركيا تتعرض لقصف وهجمات عسكرية، وهو ما يتم الرد عليه بعمليات انتحارية وتفجيرات يقوم بها مقاتلو حزب العمال الكردستانى التركي PKK، وعززت المغامرة فى عفرين وما سيتبعها من قابلية السير فى هذا السيناريو حتى نهايته. يتم زرع جماعة الإخوان من مصر وسوريا ومختلف بلاد العالم فى تركيا لمناصرة مشاريع أردوغان المجنونة، مقابل سلب الأتراك ميراث قرون من الأمان والاستقرار بتهميش وإقصاء مكون رئيسى داخل تركيا. عملت جماعة الإخوان على النهج نفسه عبر زرع عناصر متطرفة وتكفيرية بالواقع المصرى وفى سيناء مقابل مسعى ومحاولات تهميش وإقصاء مكونات وتيارات وطنية رئيسية فى المجتمع المصري، مع مراعاة الاختلافات الحضارية والتاريخية بين الحالتين. المحصلة واحدة لكن بادرت مصر وأنهت هذا العبث بمصائر الشعوب والدول، واليوم تواجه تركيا مع ما ألحقه أردوغان بكيانات غريبة عنها، وما همشه من كيانات أصيلة فيها خطر ارتداد الحاصل فى سوريا وغيرها إلى العمق التركي، وقد تلقى تركيا المصير نفسه، بل قد تقود سياسة أردوغان تلك لحرمانها من بعض أراضيها نتيجة تغذية النزعة الانفصالية لدى الأكراد. لا شك فى أن حكم مرسى كان سيقضى لا قدر الله على ما تبقى بين العرب من صلات؛ فأردوغان الذى يتوغل فى الأراضى السورية، ويتحدى النظام العراقي، ويستفز الإمارات العربية ويقوى مشاريع وتطلعات خصوم المملكة العربية السعودية، كان سيحظى بما كان يتوهمه عبر حكم الإخوان بفرضية ضرب العلاقات والروابط المصرية العربية، مع ارتهانها لخدمة مشروع أردوغان الإقليمى الذى لن يتحقق على الأرض إلا على حساب انهيار كل ما هو متعلق بوحدة ومصالح عربية مشتركة. على الصعيد الدولى كيف نتخيل علاقات مصر مع العالم فى حال استمر حكم جماعة الإخوان، فى ظل التخبط التركي، وقفزات أردوغان الحادة بين المحاور والتحالفات؟ أتساءل إذا كان من ضمن ما اطلعنا عليه من ثوابت على مستوى توازنات القوى الدولية والإقليمية عدم السماح بشراكات إستراتيجية شاملة بين قوتين إقليميتين مؤثرتين كتركيا وإيران. ومن المعلوم مدى حرص القوى الكبري، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية على إبقاء التقارب بين هاتين الدولتين عند حدود معينة دون الوصول لتحالف إستراتيجى شامل مع الدخول فى تفاهمات من جهة ومناورات من جهة أخرى مع كل منهما على حدة، بالنظر لكونهما قوتين إقليميتين إسلاميتين، قد تهدد الشراكة بينهما توازن القوى فى الإقليم. ومن المعلوم أيضًا مدى أهمية بقاء تركيا فى معية الناتو كحائط صد تاريخى ضد التطلعات الروسية، ومحاولات المحور الشرقى لمد نفوذه. فما الظن وقد وصلت مغامرات أردوغان وضربه بثوابت العلاقات الدولية عرض الحائط أن ينخرط فى تحالف إستراتيجى فوق العادة يضم تركيا وإيران وروسيا؟ ماذا لو استمر حكم الإخوان لمصر؛ وهل كان العالم بثوابته وتوازناته ليتحمل محورا مشاغبا يسعى أردوغان بهوسه فى السلطة لأن يواجه به أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية؟ لا يتحمل العالم مغامرات كهذه، والسيناريوهات المتوقعة لمعالجة آثارها تلقى بظلال مخيفة على الداخل التركي؛ ومع اقتراب الانتخابات التى يجهز لها أردوغان بقمع معارضيه ومنافسيه المحتملين لا يصح التعويل على إزاحته عبر صنايق الاقتراع. لمزيد من مقالات هشام النجار