فإن جولن يرى فى أمريكا والغرب عموما قوى عالمية لابد من التعاون معها. وإذا كان أربكان يرى ضرورة الوحدة بين العالم الإسلامي، وهى الأفكار التى بلورها عمليًّا فى تأسيسه مجموعة الثمانى الإسلامية، فإن جولن لا ينظر إلى العالم العربى وإيران بوصفهما المجال الحيوى لتركيا، بل يعتبر القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى والبلقان هى المجال الحيوى لتركيا، فهذه البلدان تضم أقليات تركية مهمة، ويرى أنه إذا كان لتركيا يومًا ما أن تعود لمكانتها بوصفها واحدة من أهم دول العالم، كما كانت خلال الدولة العثمانية، فلابد من نفوذ قويٍّ لها وسط الأتراك فى كل مكان فى العالم. لكن جولن من البراجماتية والذكاء بحيث لا يستخدم تعبير القيادة التركية فى المنطقة، كما لا يدعو إلى استقلال الأقليات التركية فى وسط آسيا. جولن الهارب إلى أمريكا تحت رعاية جراهام فولر خوفًا من بطش الجيش التركى بعد ظهور تسجيل مسرب له يدعو فيه أنصاره إلى التحرك ببطء من أجل تغيير طبيعة النظام التركى من نظام علمانى إلى نظام إسلامي، كما تحدث عن نشر الثقافة التركية فى أوزبكستان، لا يدعو إلى دولة خلافة أو دولة تطبق الشريعة، فحركة جولن تدعو إلى نظام إسلامى عالمى جديد. فمدارسه من شمال إفريقيا (مصر-المغرب) إلى الجمهوريات السوفيتية القديمة فى آسيا الوسطى (أوزباكستان- قيرغيزستان- طاكجستان-تركمانستان- كازاخستان) ودول القوقاز، تدعو أنصارها من الأتراك الطورانيين داخل مجتمعاتها الإسلامية لإحياء الطورانية بنسختها الإسلامية. مشروع جولن يروق كثيرًا للأوربيين فتطويق جمهوريات آسيا الوسطى ودول القوقاز بنظام إسلامى معادى لروسيا يضمن لهم تحجيم طموحات الدب الروسى فى أوربا الشرقية. بينما المشروع الأمريكى فى تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى بؤرة جذب لجماعات القاعدة تحت حكم التنظيم الدولى للإخوان بزعامة أردوغان يضمن لها إشعال حرب عالمية ثالثة بالوكالة بين دول الشرق الأوسط ودول الشرق الأقصى وتحجيم مساعى روسيا والصين فى تشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب برعاية البريكس- شنغاهاي. مشروع أردوغان لا يروق للأوربيين فلا تزال ذكريات الاحتلال العثمانى الأليم لدول أوربا عالقة فى اذهان شعوبها وحكامها ولا يمكن الرضوخ لفكرة استعادة أردوغان لحلم الخلافة العثمانية ، كما أن مشروع أمريكا للاستثمار فى أردوغان بثورات الربيع العربى لم تؤت بثمارها وسقطت كافة مفاتيح اللعبة من يد العثمانلية الجدد فى تركيا. الآن وبعد الانقلاب العسكرى الخامس أصبحت مسألة الخلاص من أردوغان أو الإبقاء عليه رهينة التحرك القادم لحركة جولن على رقعة الأوراسيا. فأردوغان الذى استغل الانقلاب لاستكمال رحلة اجتثات الجولنيين فى الجيش والشرطة والقضاء على طريقة لجنة بول بريمر لاجتثاث البعثيين فى العراق، ومناشدته البيت الأبيض بإصرار تسليم جولن، يُعد يقينًا ضمنيًا من أردوغان بتخلى أمريكا عنه، فى توقيت ظهور دعاوى مصرية بالاستعداد لقبول طلب لجوء سياسى لجولن حتى وإن تم تكذيبها، فبالتأكيد هناك مناورة سياسية بين أطراف عده تريد اللعب بورقة جولن فى الفترة المقبلة. والمؤكد أن تركيا عام 2016 مع الذكرى المئوية ل«سايكس بيكو» 1916 قد بدأت تستعيد ذكريات معاهدة سيفر 1920 التى قسمت تركيا وريثة الدولة العثمانية واحتلت أراضيها. قد تُصبح حركة جولن باب الخلاص من الصراعات الإقليمية، تقبل بها كافة الأطراف المعنية من الغرب إلى الشرق، فرغم النداء الأخير من جولن لأنصاره بالاقتداء بسيد قطب والتى تعد رسالة واضحة للماسونية العالمية بأن الحركة لا تزال على قيد الحياة، إلا أن حركة جولن فى الأساس مناهضة للفكر التكفيرى ولتنظيمات القاعدة. وبات مستقبل الصراع التركى مرهونًا بقرار الخيار بين الإسلام السياسى والإسلام الاجتماعى فى تلك المحطة الحرجة من تاريخ العالم، وقد ظهرت بوادرها بصدور مشروع قرار من الكونجرس بإدراج الإخوان كجماعة إرهابية.