ليس ثمة شك فى أن ما تلعبه القنوات الإخوانية منذ ثورة الثلاثين من يونيو يتجاوز التحريض على العنف إلى صناعته، فالجماعة التى منيت بهزيمة أخلاقية وروحية قبل أن تكون هزيمة مادية ملموسة ومتعينة عبر ثورة شعبية عارمة، تستخدم كل أدوات الانحطاط الإعلامى للنيل من الدولة المصرية وشعبها، وبدا الإخوان ومشايعوهم يقدمون نموذجا دالا على الجهل المقدس عبر تصدير نمط استهلاكى للدين، شعبوى الطابع، يتكئ فى جوهره على مغازلة المشاعر الغضة لأنصارهم الذين يتحولون بمرور الوقت إلى مشاريع لإرهابيين جدد. إن أى دراسة موضوعية لسيكولوجية الإعلامى الإخوانى تجعلنا بإزاء شخصيات تتقن الصراخ والعويل، والانفعال المجانى عبر حركات عُصابية ، وادعاء البطولة أمام الشاشات، والانطلاق من تصورات يقينية عن العالم تجعلهم يوهمون متلقيهم بأنهم مُلاّك الحقيقة المطلقة فى تماس مع المنطلقات الإخوانية ذاتها، والتى تقسم العالم إلى فسطاطين هما فسطاط الإيمان، وفسطاط الكفر، والتى ترى أن كل ما يصدر عنها لا يمثل سوى الوجه الدائم للحقيقة!!. إن هذا المنطق المعوج يكشف عن توترات مكتومة داخل سيكولوجية أصحابها من جهة، وفساد المفاهيم والتصورات التى يصدرون عنها من جهة ثانية. إن الجماهيرية التى تتحقق على دماء الأبرياء عبر التحريض على القتل والاستهداف المنظم لرجال الجيش والشرطة جماهيرية زائفة تمنح أصحابها اللعنة لا البريق. فأى جماهيرية تلك التى تصدر من وعى زائف لا يبغى تنوير المتلقي، أو دفعه للتفكير، أو تبصيره بواقعه، وإنما يركن إلى أن يصير بوقا لسيده صاحب الليرة أو الريال، وصوتا للتنظيم الدولى للإخوان!. كان الفيلسوف الألمانى مارتن هايدجر يتحدث عن الوجود الأصيل، والوجود الزائف، وما نراه على القنوات الإخوانية لا يعدو أكثر من كونه وجودا زائفا، حيث لا يكون المرء ذاته، فماكينة إنتاج الطمأنينة الكاذبة، والتكريس للخديعة، تظل مرتبطة بإنتاج مساحة أكبر من تزييف الوعى وإبقاء المتلقى فى خانة التسليم المسبق بالشائعة والاستعداد الجاهز لمزيد من الأكاذيب. إن توثيق جرائم الإخوان يجب ألا يسير فى اتجاه توثيق الجرائم المادية للجماعة وقياداتها وأنصارها فحسب، ولكن يجب أن يسير أيضا فى سياق توثيق الجرائم الإعلامية لكل من سعى إلى تمزيق النسيج الوطني، وزرع الطائفية، وخلق روحا صغيرة انهزامية الطابع، تناصر القبح والتطرف، وتحرض على القتل والإرهاب. ثمة من التحقوا بالجماعة من أجل المال، فالإخوان يدفعون بسخاء ليس بسبب الأموال المخصصة للترويج للمظلومية الإخوانية فحسب، ولكن بسبب الدعم الذى تتلقاه الجماعة من دول أوجبت على نفسها أن تكون وكيلا للاستعمار الجديد فى المنطقة، ولخدمة مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهذا لا ينفى أن بعضا من إعلامييها خاصة المنظمين منهم يصدرون فى آرائهم عن قناعة تخصهم، لكنهم يشبهون من يشعل النار ثم يبتعد عنها، أو من يوقد الحرب ليرسل غيره من السذج كى يموت. ويشترك الجميع فى الكذب على الجماهير، وتزييف الواقع عبر سَوق المقدمات الصاخبة التى تتلقفها وسائل التواصل الاجتماعى التى غزاها الإخوان بقوة لتصبح فى جانب منها واحدة من منصاتهم الإعلامية للدفع باتجاه الفوضى والتكريس للانقسام. على الإعلام المصرى الذى لم يدرك فى معظمه جوهر المعركة الحقيقية التى تدور منذ فترة، حيث ثمة أمة كبيرة بحق، وهى الأمة المصرية، تحمل امتدادا حضاريا وعمقا تاريخيا فى المنطقة والعالم، ومخلب قط تمثله الجماعة لبعض القوى الكبرى ووكلائها الإقليميين فى المنطقة، لنصبح أمام مفارقة حقيقية هنا بين بلد يتجه بكل قواه ورغم عشرات المعوقات وبعض الارتباكات إلى أن يتبوأ مقعده بين الأمم الراقية، وبين قوى رجعية تسعى لإيقاف حركة التاريخ فى اندفاعها المستمر صوب الأمام. ولذا فإن على كل المدافعين عن قيم التقدم ومعانيها النبيلة أن يدركوا أن المعركة ها هنا، وليست فى مكان آخر. وأن قطرات الدماء التى سالت من دماء جنودنا وضباطنا البواسل وشعبنا المجيد كانت بفعل الإرهابيين ومن عاونهم بالكلمة، أو الصمت، أو التخاذل فى مواجهة أعتى فاشية عرفها العالم الحديث، حيث الجهل المقدس، والمتاجرة بالدين، والتلذذ بالقتل فى سادية مقيتة تتصل بها حالة مازوخية فى الاتجاه المضاد، فعند الاستضعاف تكون المازوخية والتلذذ بإيلام الذات واستمراء الضعف الذى نراه فى أعين كل من يوظف منهج التقية الإخوانى فى التعامل مع من حوله، وفى أوقات التمكين سترى تلك السادية التى ظهرت كثيرا عقب وصولهم الى حكم البلاد فى سنة لن يعيدها التاريخ ما دامت هناك يقظة شعبية، وإرادة حقيقية يمثلها القلب الصلب للدولة المصرية، وقوة ناعمة تدرك أن دورها الآن أن تصبح تمثيلا أعلى للحقيقة ولا شيء غيرها. لمزيد من مقالات د. يسرى عبدالله