كان يصرخ ثم يضحك. وفجأة ارتمى على الأرض. كانت يداه لأعلى وقدماه مفتوحتين كأنه مصلوب على الرصيف، وظله أمام عينى تدوس عليه أقدام بعض المارة الذين تخيلوا أنه أحد متسولى المنطقة. ظل يهذى بكلمات لم أفهمها. كنت مرعوبا فلقد فصل شحن الموبايل والشارع مظلم وليس هناك سوى بعض السيارات التى تمر سريعا والجو بارد وأسنانى تصطك. قام من نومته الغريبة على الرصيف ثم ظل يترنح ويترنح إلى أن وصل لصندوق القمامة فألقى برأسه فيه. لم تمكنى جثته الثقيلة بسبب الاستروكس والحشيش والبيرة من رفعه من هذا الصندوق ذى الرائحة التى لا تطاق. إنها فضلات الناس والاستروكس. ظل فترة لا أعرف مداها وهو يتقيأ ولا يتوقف. من سيساعدنى فى هذه الليلة الظلماء؟ ثم فجأة ضغطت على زر موبايله فأضاءت شاشته وظهر اسم أمى فحكيت لها كل التفاصيل. كنت أصرخ ولا أتبين حروفي، وهى على الجانب الآخر تصرخ وتوقظ بيه. ماذا أفعل يا أمي؟ كيف أنقذ نفسى وأنت فى المعادى وأنا فى مدينة الشيخ زايد؟ تدخلتُ وقطعت حواره ولماذا الشيخ زايد بالتحديد؟ فأشار إلى أن تجار المخدرات اختاروا أرقى الأماكن بها والتى أنشئت على مساحة شاسعة من الخضرة وسكنها علية القوم ممن يحملون نقاء القلوب الخضراء الغضة، ويملكون المال فكانوا الهدف المنشود لهؤلاء البائعين. ذهبنا إلى هناك مع مئات من الشباب فى عطلة نهاية الأسبوع، بدأنا باحتساء البيرة ثم الحشيش ثم أردنا تعلية الدور, أى الجرعة, أصر صاحبى الذى لم أقابله إلا فى هذه الليلة الغبراء على شرب الاستروكس، ذهبت معه لأستكشف الأمر. كنت أعرف أنه خطير فمن يزيد فيه على ثلاثة أنفاس يدخل فى غيبوبة الموت، ولكننى كنت أتطلع لاكتشاف الأمر. هنا قاطعته وسألته وما الذى دفعك لهذا وأنت شديد الذكاء وابن ناس أصلاء؟ قال:أنا أود التجريب دائما، ثم ضحك ضحكة استنكارية عندما بدت على ملامحى الشفقة. ثم أردف قائلا: كثير من الشباب فى مدرستى الانترناشونال والمدارس الأخرى يشرب الحشيش فهو غير ضار. لكننا لا نزيد على الحشيش. هذه هى المرة الأولى والأخيرة التى ذهبت فيها للاستروكس وكانت للتجريب. لكن صدقينى لم أجرب الاستروكس كنت أتفرج فقط. إلى هنا أتوقف عند كلام الشاب ذى الأربعة عشر ربيعا. إنه زهرة يانعة اختلت لديه القيم مع طبقية التعليم. لم يكن هذا المراهق الشاب الوحيد الذى أفضى لى بدخيلة نفسه، ولكن عددا لا بأس به من الشباب يؤكدون انتشار الحشيش بينهم مما يمثل ظاهرة بين طبقة التعليم الفاخر. فنحن ندفع الغالى والثمين من أجل أن نعلم أبناءنا فى أرقى المدارس. لكننا فى الوقت نفسه دون أن ندرى نسلط عليهم الضوء فيكونون لقمة سائغة وهدفا أسمى لتجار المخدرات. ثم التفسخ الأسري، والبعد عن القيم والدين، وتهميش كل ما هو عزيز من مقوماتنا واحتقاره، وفى مقدمته لغتنا العربية التى نقرأ بها القرآن فنتمسك من خلاله بديننا وقيمنا. كل هذه الأسباب جعلت مخدرا مثل الاستروكس ينتشر بين أبناء الطبقة الراقية، وهو عبارة عن نبات بردقوش مضاف إليه مواد كيميائية تسبب الهلاوس السمعية والبصرية ثم مادة الأتروفين وهو مخدر يستخدم لتهدئة الحيوانات مع رشة من المبيد الحشرى مع التنر هكذا ببساطة تصنع الخلطة السحرية التى تقتل أبناءنا. إنهم يبدأون بالحشيش وينتهون بالاستروكس وغيره. علينا تبنى حملة مكثفة تشرف عليها الدولة ويسهم فيها المجتمع المدنى من أجل مدارس نظيفة. فمصر تستطيع كما تفعل الآن من أجل حملة الكشف المبكر لفيروس سي، والتى نكن لها كل التقدير. لمزيد من مقالات شيرين العدوى