طفل بريء، فى عمر الزهور، لم يتجاوز 10 سنوات، اسمه محمد نور، نشأ داخل حي المطرية، وسط أسرة بسيطة، والدته تولت تربيته مع شقيقتيه الصغيرتين، لم يكمل تعليمه بسبب ظروفه الأسرية، وجهه يحمل براءة الأطفال لكنه تحول إلى شبح طفل أكل عليه الدهر وشرب، فالعمر لايزال فى أوله والجسد أصبح باليًا ومتهالكًا، لايقدر على شيء. محمد طفل شاخ مبكرًا ، وبدلا من أن يكون مكانه بين الاطفال في مثل سنه يلعب ويجري ، تحول إلى مدمن صغير، فهو بلا منازع يستحق لقب أصغر مدمن في مصر، تجار الكيف وآكلي عقول البشر حولوه إلى باحث عن الكيف. قصة تحمل بين سطورها مأساة بمعنى الكلمة، اشتركت في صنعها أسرته والمجتمع الذي نشأ وتربى داخله. الطفل الصغير، ضحية والديه اللذين انفصلا منذ سنوات بعد مشاكل وخلافات حادة كان الطفل شاهدًا عليها ، ورفض أبوه تحمل مسئولية الإنفاق على والدته وإخوته. بعد انفصال والدته عن والده أصبح هو رجل البيت، وبدأ يفكر فى مستقبل شقيقتيه وأمه التي يشاهدها تخرج فى الصباح الباكر ولا تعود إلا في توقيت متأخر باحثة عن مصاريف ونفقات أطفالها، تحاول ألا تشعرهم بما تفعله لتربيتهم ، بينما يرى بعينيه المجهود الكبير وتعب أمه، مما سبب له حالة من الضغط النفسي، ولم يجد ملاذا آمنا للهروب من هذه الأفكار سوى الشارع ، وبدأ يخرج باحثًا عن العمل، وكان هذا بداية الطريق لدخول عالم المخدرات، تعرف على طفل يكبره بعام أو عامين، ذهبا معًا للعمل فى إحدى ورش الحدادة، بدأ يمسك "الفلوس" فى هذه السن الصغيرة، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن الكيف. التقينا بالطفل المدمن، كان يقف حائرًا، عيناه لامعتان، تائهتان، لا تشعر أنك أمام طفل، بل حطام إنسان ، وكأن الابتسامة ضاعت من وجهه، قال بصوت منخفض، اسمي محمد، لم أكمل دراستي، عملت فى ورشة حدادة، أول طريق المخدرات بدأ معي بسيجارة عندما جلست مع أصدقائي فى المنطقة، وكان لها طعم مختلف، شعرت بحالة من "التوهان"، لم أشعر بنفسي وقتها، وكنا نجلس كل يوم أثناء العمل وبعد الانتهاء منه نشرب سجائر، كنت أمسك بها لأشعر أنني رجل كبير ولست طفلا، وبعد ذلك فوجئت بصديق لي يحضر لنا "الإستروكس"، وكنا نشربه مثل السجائر، وبدأت أدمنه، إحساس غريب كان ينتابني، وكأني طاير في الهواء، أضحك بطريقة هيستيرية، جسمي يقشعر، وكنت أنا وزميلي نجلس بعد تجرع الكيف ولا نستطيع الوقوف، لم يكن هذا فقط ولكن منطقتنا مليئة بتجار المخدرات، كنت أجلس معهم، اتعرف عليهم، استمتع بالاستماع لكلامهم ومصطلحاتهم الغريبة، وبمرور الأيام شعرت أنني لا أقدر على مفارقة الكيف، لم تعد "السيجارة" صاحبة تأثير علي، مزاجي أصبح معلقًا بالإستروكس، كنت أذهب للعمل وفى منتصف اليوم أطلب أجر اليوم من صاحب الورشة وبعدها أهرب وألتقي بزميلي، ونذهب لشراء الإستروكس من تاجر المنطقة ولكن فى أحيان كثيرة لا أجد عنده سوى البانجو، ولأنني أصبحت مدمنًا لهذا النوع من الكيف بدأنا نبحث عنه فى أماكن أخرى، كانت هناك منطقة شهيرة تسمى "الزرايب"، مليئة بالتجار ودواليب المخدرات، ذهبت وزملائي المدمنين، وكنت أصغرهم رغم أنهم فى نفس عمري، تعرفنا على سيدة تدعى أم عبده ومساعدها اسمه سيد عكوة، اشتغلت معاها، كنا نجمع الخردة، وفى نهاية اليوم ناخد أجرنا استراكس. توقف عن الكلام، للحظات، وضع رأسه على راحة يده، التقط أنفاسه، بعد أن ظهر عليه التعب والإرهاق، ثم استكمل كلامه قائلا:أصبح الاستروكس عديم المفعول والتأثير، أخذت منه كميات كبيرة، بحثت وصديقي على مخدر أقوى، عرفنا طريق الهيروين، كنا نذهب لأم عبده وسامح عكوة يوميا لشرائه، نتعرض للمخاطر لأن هناك مئات الأطفال والشباب مثلنا، فهذه السيدة لديها مستعمرة من الأطفال والشباب يعملون معها بسبب إدمانهم المخدرات، وكانت توزع على تجار التجزئة فى منطقتنا والمناطق المجاورة، وفي أحد الأيام فوجئت بأمي تأتي لي في منزل هذه السيدة، حاولوا منعها، لكني سمعت صوتها بالخارج وهي تسأل عن اسمي ، وتقول "هاخد ابني لو هاموت هنا"، كنت مغيبًا تحت تأثير المخدرات، لم أشعر بنفسي لكني أسمع صوتها جيدا، لكن لم أقدر على المشي، وبعد وصلة بكاء وصراخ اضطروا لإدخالها لي وبالفعل جاءت وشاهدتني فى هذا المشهد وحملتني وكان معها شاب من المنطقة، ثم خرجت بي، جلست فى المنزل عدة أيام وحتى الآن إن لم آخذ جرعة المخدر أشعر بحالة من الهياج والتعب والصداع وجسدي يشعر بالتعب، وأظل أكسر فى محتويات الشقة إن لم أخذ الجرعة، فقط أرى أمي وهي تبكي، وحتى تعالجني اضطرت إلى تقييدي بسلسلة حديدية فى السرير حتى لا أهرب، لكن لا تزال المخدرات تسرح فى عروقي، وأمي لا تملك ثمن علاجي، الذي يتطلب أن يتم حجزي فى مصحة، فهي تبكي كل يوم مئات المرات حزنًا علي، وأتألم لبكائها لكني لا أستطيع فعل شيء. وأضاف الطفل محمد نور قائلا: أمي عليها أحكام بسبب إمضائها على إيصالات أمانة، حيث اشترت بعض الأجهزة الكهربائية بقيمة 25 ألف جنيه، ولم تستطع سداد المبلغ وحكمت المحكمة عليها بخمس سنوات، وتخرج فى الصباح للعمل ولا تعد إلا مساءً. يذكر أن بداية اكتشاف إدمان الطفل حينما تلقى متولي سعيد، صاحب مبادرة إشفي مدمنا، بلاغًا من صديق الطفل ، بإدمانه وأنه يريد العلاج وصديقه محمد نور، ومن هنا بدأ التعرف على قصة الأطفال المدمنين، ويتمنى توفير مصحة لعلاجه حيث أن مبادرته لاتزال فى البداية ولا تستطيع تحمل نفقات العلاج.