منذ قيام الخمينى بثورة عام 1979أطاحت بشاه إيران محمد رضا بهلوى ونحن نسمع تهديدات أمريكية وكذلك إسرائيلية ضد طهران،وفى المقابل نسمع لعنا وسبا من إيران وأتباعها لأمريكا والغرب وإسرائيل. وشعار الثورة الشهير(الموت لأمريكا-الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود) قد اتسع مداه لينتقل من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق واليمن وسوريا .ووسط هذه المدافع الصوتية لم نرى صداما حقيقيا ،بل رأينا ابتلاع الحرس الثورى الإيرانى لأربع عواصم عربية هى بيروت وبغداد وصنعاء ودمشق . فكلمة إيران هى الفيصل فى العواصم الأربع عن طريق عميلها حسن نصر الله فى لبنان وحليفها بشار فى سوريا والأحزاب الشيعية فى العراق والحوثيين فى صنعاء . ومن خلال العواصم الأربع أصبحت إيران تطبق كالكماشة على عدة دول خليجية خاصة السعودية ،وهناك هجمات على العمق السعودى عن طريق الحوثيين جوا بالطائرات المسيرة وبرا بهجمات على عسير ونجران،فضلا عن هجمات علي الإمارات . وفى الوقت الذى يتم فيه تشديد الحصار الإقتصادى –كما يُشاع – المستمر منذ عام 1979م ، نسمع عن إنجازات إيرانية فى مجال التصنيع العسكرى خاصة الصواريخ – وصلت لمجال الفضاء – والغواصات وكذلك الصناعات المدنية . والملفت للنظر أن الدول خاصة العربية التى تتحالف مع واشنطن إما تُعانى إقتصاديا أوبها صراعات داخلية وفتن أوتتراجع فى قدراتها ونفوذها وتأثيرها السياسى فى المنطقة ناهيك عن التفتت الإجتماعى . كل ذلك العداء الظاهري مع أن أطرافا أمريكية وأخري إيرانية منها رئيسين سابقين ( خاتمي ونجاد) أكدوا أن واشنطن ما كان لها أن تحتل العراق وأفغانستان لولا الدعم الإيراني. هذا العداء الصوتي أمام الميكروفونات لم يُترجم يوما علي أرض الواقع اللهم إلا زيادة في قوة إيران وتمددا في نفوذها السياسي وابتلاعها لعواصم عربية عدة . والخوف إذا استمر هذا السيناريو المُخادع أن تبتلع إيران دولا خليجية طالما هددت شخصيات إيرانية ذات ثقل ديني بإحتلالها. ويستمر الخداع في مؤتمر وارسو حيث اجتمع ممثلو 60 دولة بحضور دول عربية بجانب رئيس وزراء إسرائيل ،حيث أعلن وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو - لأول مرة علي لسان مسئول أمريكي وربما غربي - أن إيران نفذت عمليات إنتحارية في أوروبا . وكنا نسمع من قبل اتهام جهات بعينها بالمسئولية مثل القاعدة أوداعش أوجماعات وفصائل إسلامية سنية ،لكن يبدو أن "شماعة"القاعدة لم تعد مطلوبة . وما أورده رجل المخابرات الأمريكي "مايلز كوبلاند"في كتابه "لعبة الأمم"قد ينطبق تماما علي عملية الخداع المستمرة في الملف الإيراني خاصة في علاقتها مع إسرائيل والولايات المتحدة. فقد أوضح بجلاء أن تجارب أمريكا في المنطقة أثبتت أن مدحها لأي نظام أوجماعة يضعضع شعبيتها ،وأن الإنتقاد اللاذع للولايات المتحدة يجلب الشعبية والجماهيرية وربما البطولة . ويبدو هذا السيناريو متسقا تماما مع الحالة الإيرانية منذ ثورة الخميني . لكن المُستغرب حقا أن نصدق بل نبارك بل نشارك فيما يحدث. فالمستفيد الأول من مؤتمر وارسو هو إسرائيل التي تكسب تحالفات وصداقات عربية خاصة مع دول الخليج بدعوي الإتفاق علي العداء لإيران وذلك علي حساب قضية العرب والمسلمين ممثلة في القضية الفلسطينية وفي القلب منها القدس الشريف والمسجد الأقصي المبارك . فلم تعد إسرائيل مضطرة أن تقدم تنازلات ولو شكلية للفلسطينيين للحصول علي الإعتراف العربي بها . وننسي حقيقة أن العلاقة الأمريكية -الإيرانية هي زواج سري أُريد له أن يظهر للآخرين علي أنه عداوة حتي تحلب أمريكا دول الخليج بصفقات السلاح لدفع الإقتصاد الأمريكي وتشغيل الأيدي العاملة ،وتملأ المنطقة بقواعد عسكرية تدفع تكاليفها دول الخليج . وهي نفس العلاقة بين إيران وإسرائيل التي أمدت طهران بالسلاح أثناء حرب الخليج في وقت كان الغرب يفرض حظرا علي السلاح لإيران . وتحت دعوي محاربة الإرهاب ،دمرت أمريكا دولا إسلامية عدة مثل العراق وأفغانستان والصومال وغيرهم ،وأغلقت آلاف المنظمات والجمعيات الخيرية وسجنت آلاف الأبرياء في جوانتانامو وأبو غريب وغيرهما . وتحت دعوي محاربة إيران تستنزف دول الخليج ماليا وتُقرب بين العرب وإسرائيل علي حساب القضية الفلسطينية . وصدق من قال :"إن معظم ما يحدث في الشرق الأوسط له ظاهر لا ينسجم في الأغلب مع ما يجري في الباطن" . [email protected] لمزيد من مقالات عبد الفتاح أنور البطة;