( كلما أَغلقت عليها بابا فَتحت لنفسها مئة شباك ) هذا التوصيف يحلل مسار السياسة الخارجية الإيرانية منذ ثورة الخومينى عام 1979 م ، وهى سياسة مراوغة بذكاء ، مخادعة بدهاء ، لا يمكن فهمها إلا باستحضار وفهم مبدأ ( التَقِية ) ومعناه : أن تظهر عكس ما تبطن ، وأن تقول شيئا وتَعتقد شيئا آخر، وأن تتكلم بشىء وتفعل عكسه . ويبدو أن هذا المبدأ المتجذر فى العقلية الإيرانية والمذهب الشيعى الاثنى عشرى لا يقتصر على الأمور الدينية فقط ، بل يشمل كذلك كل مناحى الحياة . فقد استطاعت إيران التخلص من أعدى أعدائها ( صدام حسين ) بالتعاون مع أمريكا ( الشيطان الأكبر ) كما يسميها – تمويها وخداعا للسذج -الساسة والمثقفون ورجال الدين الإيرانيون. فصدام كان يشكل حائطا من نار بين إيران وكل طموحاتها الاقليمية ، ولعل فرحتها وعملائها بمشهد إعدامه فى صبيحة يوم العيد لا يُنسى . وتخلصت - بالتعاون مع الشيطان الأكبر كذلك - من حركة طالبان الأفغانية المناوئة لها عقائديا وسياسيا على حدودها ، فهى حركة تعتبر المذهب الاثنى عشرى مذهبا لا علاقة له بالشريعة المحمدية ، وإنما هو من بنات أفكار اليهودى عبد الله بن سبأ. ومع احتلالها لجزر الإمارات الثلاث ، إلا أن العلاقات التجارية بين البلدين على أعلى مستوى ، وتمثل رئة للحياة بالنسبة لها فى ظل حصار اقتصادى دولى مفروض علي إيران . وظلت تتفاوض مع الدول الغربية لسنوات طويلة على برنامجها النووى مقدمة نفسها للعالم بأجمع على أنها قوة كبرى يفاوضها الكبار ، فالتفاوض لا يكون إلا بين الأقوياء ، والقوى لا يفاوض ضعيفا. واستطاعت بأموال النفط أن تشترى القرار السيادى فى سوريا ولبنان ، وأن تدعم الحوثيين ليستولوا على اليمن لتكون صنعاء العاصمة العربية الرابعة – على حد قول المسئوليين الإيرانيين - التى تقع فى أيديهم ، مُشكلة بذلك ضغطا على كل دول الخليج ، ومتحكمة فى باب المندب بعد مضيق هرمز ، وهما شريانان بحريان حيويان للتجارة العالمية وخاصة ناقلات النفط . ولم يخطر ببال إيران أن تلجأ السعودية والولاياتالمتحدة إلى التدخل فى سوق النفط بزيادة المعروض لتنهار أسعاره بشكل أربك الحسابات الإيرانية ، وكذلك أرهق واستفز روسيا الحليف الاستراتيجى لإيران . وجاءت ضربة النفط لتمثل سكينا على رقبة إيران التى تعانى مشاكل اقتصادية جمة ، وتعتمد على أموال النفط للانفاق على مشاريعها الإمبريالية فى المنطقة ، فكان الحل السحرى فى إصدار الأوامر للحوثيين وعميلهم الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح بتصعيد الوضع العسكرى بشكل بدا غير مبرر وطفولى ، ولا يتناسق مع الحنكة الايرانية . لكن ، إذا علمنا أن النتيجة للتدخل العسكرى للسعودية ومعها تسع دول عربية هو ارتفاع أسعار النفط واستمرار ضخ الدولار الأمريكى فى الاقتصاد الإيرانى المتهالك ، لأدركنا مدى الحنكة الايرانية التى تتبدى يوما بعد يوم على حساب دول اسلامية ، بدأت بلبنان ثم العراق وأفغانستان وسوريا ، وأخيرا ( وليس بآخر ) فى اليمن . ولعل الأنباء عن استعداد الحوثيين لاغلاق باب المندب – الشريان الحيوى لنقل النفط الخليجى – يصب فى هذا الاتجاه . وسيظل التصعيد الإيرانى قائما حتى ترفع الولاياتالمتحدة والسعودية ( سكين أسعار النفط ) من على رقبتها . فتاريخ انهيار الاتحاد السوفيتى بسبب انخفاض أسعار النفط ليس ببعيد . [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة