* تضارب بين الوزارات فى إنشاء الأوقاف الخيرية.. * وزارة الأوقاف: الإدارة من خلالنا .. الاستثمار تسمح بإنشاء صناديق استثمار خيرى والتضامن ترفض * جامعة المنصورة تفشل فى إنشاء وقف للأبحاث العلمية.. بعد اعتراض الوزارة * هانى توفيق: مطلوب حل التضارب من أجل عمل الخير فى مصر * شريف الزيات: أنشأت وقفا خيريا فى طب القاهرة تحت مسمى وديعة لمعرفتى بالعراقيل * مركز بحثى: ثقافة الوقف تعرضت ل«الموت الإكلينيكى» منذ عام 1952 * فتحى خضير: عرضت تجربة بريطانيا فى إدارة المستشفيات بنظام الترست على لجنة الصحة.. لكنها لم تهتم * 90% من جامعات أوروبا وأمريكا وقفية .. يديرها مجلس أمناء وليس وزارة * أستاذ اقتصاد إسلامى: «الترست» له شكل قانونى يتوافق مع الشريعة الإسلامية.. والقطاع المصرفى فى مصر قادر على إدارته بنجاح يضرب الخبير الاقتصادى هانى توفيق أخماسا فى أسداس، بعد رفض وزارة التضامن السماح له بإنشاء صندوق استثمار خيرى لجمعيته الخيرية: فمن مواد قانون الجمعيات الأهلية عدم تعرض أموال المتبرعين للخطر مادة تقول: « يمتنع على الجمعية الدخول فى مضاربات مالية» هانى يجد تضاربا بين الوزارات والهيئات فى مصر فيما يخص هذا الموضوع، حيث إن الجهة المشرفة على الرقابة المالية سمحت بتأسيس صناديق استثمار خيرى طبقا للائحةالتنفيذية الصادرة فى مارس 2018، والتى أكدت على تعريف صندوق الاستثمار الخيرى على أنه صندوق استثمار يقتصر توزيع الأرباح والعوائد الناتجة عن استثماراته على الإنفاق على الأغراض الاجتماعية أو الخيرية من خلال الجمعيات أو المؤسسات الأهلية المشهرة، لكن وزارة التضامن الاجتماعى تجاهلت هذه المادة، وبالتالى أوقفت عمل الصندوق. التضارب كما يراه هانى ليس فقط بين الوزارات بل فى الوزارة نفسها، فوزير التضامن الأسبق على المصيلحى سمح لمؤسسة مصر الخير وجمعية الأورمان بإنشاء شركات لهما، وإصدار صناديق استثمار خيري. الوقف الخيري، كلمة لم نسمع بها منذ زمن طويل، إلا فى الأبحاث والمنتديات، هذا الزمن الطويل يعود إلى قبل ثورة يوليو بقليل، وبعدها مباشرة، وذلك حين تم تعديل قوانين الوقف، وتدخل الدولة فى تقنينه وفرض قيود عليه، مما أدى إلى ابتعاد الناس عن الوقف، والإحجام عن إنشاء أى أوقاف جديدة، كما أدى انتشار الفساد الأخلاقى والمالى والاجتماعى فى بعض الجهات القائمة على إدارة شئون الأوقاف الإدارية والمالية إلى الإحجام التام عن الوقف. هانى توفيق ومنذ صدور دستور 2014 وتخصيص مادة عن الوقف، وهى المادة 90 والتى تنص علي: «تلتزم الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيرى لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية، والثقافية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، وتضمن استقلاله، وتدار شئونه وفقًا لشروط الواقف، وينظم القانون ذلك»، وهناك رغبة من الكثير فى إعادة إحياء الوقف الخيري، وفى الاستفادة منه فى الارتقاء بأهم قضيتين فى مصر، وهما الصحة والتعليم. هانى كان يرغب فى إنشاء صندوق لرعاية مرضى فيروس سى( قبل حملة 100 مليون صحة) حيث إنه كان أحد المصابين به، وهناك ملايين لا يعلمون بإصابتهم، لكن هانى أدرك بعد لقائه وزيرة التضامن والدكتور شريف سامى رئيس هيئة الرقابة المالية الأسبق وهو من وضع القانون،أن الوزيرة وقعت فى براثن الإدارة القانونية لديها والتخوف تماما من إنشاء هذا الصندوق. ولكن بعد معاناة وإحباط استمرا طوال عام كامل، أعتذر هانى عن عدم الاستمرار فى محاولته التى وصفها بالفاشلة لتأسيس الصندوق المشار إليه، والذى تراقب نشاطه هيئة الرقابة المالية، وذلك بعد مرور سنة كاملة فى مطاردة وزارة التضامن الاجتماعى التى تمنع لوائحها الجمعيات الخيرية من تأسيس صناديق خيرية.
فشل التجربة محاولة هانى الفاشلة لم تكن المحاولة الوحيدة، كانت هناك محاولة أخرى من الدكتور السيد عبدالخالق وزير التعليم العالي، وقت أن كان رئيسا لجامعة المنصورة،فيقول:كنا دائما وأبدا نبحث عن سبل بديلة لتمويل التعليم العالى بدلا من الاعتماد الكلى على موازنة الدولة، وفى أحد اجتماعات مجلس الجامعة رأينا تجارب دول كثيرة تعتمد على ما يعرف بالوقف، ومن هنا بدأنا البحث فى التجربة حتى تبين لنا أن مصر كانت رائدة فى ذلك، وبدأنا البحث فى شرعية هذا القرار وأخذ آراء الفقهاء، وقمنا بإنشاء لائحة متميزة لهذا القرار، وتمت الموافقة عليها فى مجلس الجامعة، وبمجرد عرضها على المجلس الأعلى للجامعات تمت الموافقة على الفور بل ومطالبة الجامعات المصرية بأن تبحث فى التجربة وتكررها، وبالفعل بدأت جامعة المنصورة السير فى خطوات التنفيذ، وحين أعلنا عن هذا الصندوق كانت هناك رغبة كبيرة للتبرع له . ولأن اللائحة بها جوانب مالية، كان لابد من عرضها على وزارة المالية وبالسؤال وجدنا أن الوزارة أرسلتها بدورها إلى هيئة الأوقاف، علما بأن ناظر الوقف هنا هو الجامعة، ولكن وزارة المالية بعد فترة أبلغتنا بتغيير المسمى بناء على طلب الأوقاف، وتأكدنا أنه لم يكن هناك فهم لفكرة الوقف الخيرى ودعمه للبحث العلمي، وحتى الآن لا نعلم سبب الوقف أو الاعتراض على المشروع وضاعت الفكرة وفشل المشروع.
إشارات الرئيس الرئيس السيسى فى أكثر من مناسبة تحدث عن أهمية الأوقاف، وأرسل إشارات عديدة، ففى مؤتمر الشباب الذى عقد فى جامعة القاهرة، قال الرئيس: «أتوجه بتحية تقدير وإجلال إلى روح الأميرة فاطمة إسماعيل التى بادرت بإنشاء الجامعة المصرية الأولى؛ فاستحقت الخلود بقلوب المصريين» حيث باعت الأميرة مجوهراتها فى مزاد علنى من أجل بناء جامعة القاهرة، وصل المزاد إلى 70 ألف جنيه، ثم تبرعت بمساحة كبيرة من الأراضى التى أقيمت عليها إدارة جامعة القاهرة وخصصت أكثر من 2000 فدان وقفا للإنفاق على الجامعة. والإشارة هنا من الرئيس أن نعود إلى ما كان يفعله أغنياء مصر من إقامة المشروعات وتقديم الخدمات وبناء المدارس والمستشفيات والجامعات. تحت عنوان «الوقف التعليمي.. ماضٍ مجيد ومستقبل يتوقف على الأداء»، أصدر مركز دلتا للدراسات تقريرا تعليقا عن إنشاء صندوق وقف للمعلمين، قال فيه: كثير من التجارب والمحاولات عرفها التعليم المصريعلى مدى عقود دون أن تحقق النتائج المرجوة، لكن على المستوى الاقتصادى تحمل الفكرة تحولا نوعيا فى منهج التفكير الحكومي، الذى يبدو أنه يستعيد الانتصار لثقافة الوقف، التى تعرضت ل«الموت الإكلينيكي» تقريبا منذ عام 1952، وإن بقيت ثروات الوقف قائمة، حتى بلغ حجم أصولها المحصورة - وفق تقديرات رئيس هيئة الأوقاف، مطلع العام الجارى 800 مليار جنيه، متوقعا وصوله إلى أكثر من تريليون جنيه، عند الانتهاء من خطة الحصر الكاملة. وقد عرفت المجتمعات العربية والإسلامية نظام الوقف ومارسته طيلة أربعة عشر قرنا، وكان هذا النظام – ولايزال – قاعدة لبناء مؤسسات المجتمع المدنى فى الوطن العربي، فى مختلف مجالات التكافل الاقتصادى والاجتماعى التعليمية، والصحية، والخدمية، بل يمكن القول إنه كان أحد الابتكارات المؤسسية الاجتماعية التى جسدت الشعور الفردى بالمسؤولية الجماعية، ونقلته من مستوى الاهتمام «الخاص» إلى الاهتمام «العام» تجاه المجتمع والدولة معا. وكان للتعليم نصيب وافر من الأوقاف على مدى التاريخ، حتى أنه يمكن القول إن النظام التعليمى العربى فى مجال الوقف العلمى قديما، كان سباقا على المستوى العالمي، ففى أوائل القرن الأول الهجرى كان هناك الكثير من الكتاتيب الوقفية التى تعلم الأطفال وتساعد بعضهم فى تحمل تكاليف الإعاشة والمبيت والتنقل من أجل الدراسة، بجانب نفقات التعليم والمعلمين. وازدهرت أيضا الجامعات الوقفية فى العالم العربي، كجامعة القرويين فى المغرب التى تعتبر من أوائل الجامعات الوقفية فى العالم وتأسست بالكامل من التبرعات، وجامعة الأزهر التى قامت على ثقافة الوقف، وتعلم الملايين من دارسيها على مر القرون من عائدات تلك الأوقاف. وفى العصر الحديث، كانت أموال الأوقاف وراء تأسيس العديد من المنشآت العلمية ذات التاريخ، مثل مدارس جمعية المساعى المشكورة بالمنوفية، وهناك أيضا جامعة القاهرة، التى يعتبرها البعض أهم مشروع تعليمى فى تاريخ مصر الحديث. الغريب أن الجامعات والمؤسسات العالمية اهتمت بنظام الوقف التعليمي، فى الوقت الذى كان هذا النظام يتراجع لدينا، ومن أبرز نماذج الجامعات الوقفية فى العالم جامعة هارفارد الأمريكية التى تمتلك أكبر حجم أوقاف عالميًا، يصل إلى نحو 39.5 مليار دولار، ورسخت لذلك منذ أن تحولت إلى جامعة تعتمد على الأوقاف فى عام 1870، حتى فاق عدد أوقافها 11 ألف وقف حاليًا. كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تضم أكبر عدد من الجامعات الوقفية فى العالم، حيث يصل حجم الوقف فى مؤسسات التعليم العالى الأمريكية إلى أكثر من 119 مليار دولار، ويغطى العائد من الأوقاف فى مجال التعليم بها ما يقارب ثلث نفقات تشغيل الجامعة، وهو ما يعنى متوسط أكثر من 1.1 مليار دولار لكل جامعة. وما يقرب من 90 ٪ من الجامعات الغربية تعتمد بشكل جزئى أو كلى على أموال الوقف، ففى جامعة كيوتو اليابانية فقط، يصل حجم الوقف إلى 2.1 مليار دولار، بينما يصل وقف الجامعات الكندية إلى 5 مليارات دولار، ويتخطى الوقف فى 10 جامعات بريطانية نحو 30 مليار دولار. إن إعادة الاعتبار للوقف التعليمى تحتاج إلى أكثر من مجرد إحياء للفكرة، فالأمر يتطلب نظاما إداريا دقيقا يحظى بثقة الواقفين، بحيث يمكنهم أن يتبرعوا بأموالهم، التى يريدون أن تستمر عائداتها الخيرية فى حياتهم وبعد وفاتهم، أما الاعتماد على نفس الأداء الحكومى البيروقراطي، فإنه كفيل بقتل الفكرة فى مهدها. دوامة التعقيدات الحكومية للخروج من دوامة التعقيدات الحكومية، وأملا فى ترسيخ الوقف الخيرى لدعم التعليم والبحث العلمي، فكر المهندس شريف الزيات منذ وفاة والده علاء الزيات أستاذ أمراض الدم بطب قصر العينى قبل أكثر من سنتين،فى عمل خيرى يُخَلد باسم والده، ساعد فقراء وزوّج شبابا، لكن ذلك كله لم يلب طموحه، إلى أن هداه تفكيره إلى وضع ودائع مالية كبيرة بالبنك وإنشاء وقف خيرى باسم والده من أجل البحث العلمى فى أمراض الدم. فى الصفحة الأولى بالأهرام وعلى يسار نصفها الأسفل، نشر شريف إعلانا يعلن فيه أن كلية الطب بقصر العيني، قد قررت فتح التقدم لمنح دعم أبحاث علمية فى مجال أمراض الدم بتمويل من وقف المرحوم الأستاذ الدكتور علاء أحمد حسن الزيات. يروى لنا المهندس شريف الحكاية، فيقول: والدى كان رجلا عظيما وطبيبا شهيرا، كان علىّ أن أبحث عن شيء يبقى أسمه، خاصة فى المكان الذى أفنى فيه حياته فى خدمة طلابه ومرضاه، وهو كلية طب قصر العيني، وأن يكون هذا العمل دائما، وليس مرتبطا بيّ ولا بحياتى، أريده أن يبقى أبد الدهر، فكان قرارى أن يكون هناك وقف باسمه، وأودعت مبلغا كبيرا بالبنك بحيث يكون عبارة عن ودائع وشهادات، بحيث يكون العائد منهما مخصصا لعمل الخير، وخاصة فى مجال الطب، فقمت بعرض الموضوع على الدكتور فتحى خضير عميد قصر العينى السابق، فرحب على الفور، وقمنا بتشكيل لجنة لإدارة هذا الوقف، مكونة من خمسة أشخاص، عميد طب قصر العينى بصفته، ورئيس مستشفيات جامعة القاهرة بصفته أيضا، وأقوم أنا بتعيين ثلاثة آخرين، بصفتى ناظر الوقف، كما أننى لم اكتف بما أودعته من مال، بل أضاعف هذا المال كل سنة. هذا الوقف – كما يشير شريف – وضعنا له شروطا وآليات، منهاأن يتم تقسيم الوقف، بحيث يكون جزء منه لمساعدة طلاب طب قصر العينى غير القادرين، وجزء منه للأدوية لأمراض الدم، خاصة فى ظل ارتفاع سعرها ونقصها، أما الجزء الأكبر فهو للبحث العلمى فى أمراض الدم، بشرط أن يستفاد منه المرضى المصريون، وكذلك دعم الباحثين من خلال منح لهم. ولعل الهدف من توجيه الجزء الأكبر من الوقف للأبحاث هو بسبب عدم اهتمامنا بالبحث العلمى فى مصر، لارتفاع تكلفته من ناحية، وعدم قدرة الكثيرين من صغار الباحثين على تمويله من ناحية أخري، ومستقبلا أفكر جديا تعظيم الوقف وتنميته، بحيث تعمم هذه الفكرة فى مصر، وتكون إدارة الوقف إدارة احترافية. كان الدكتور فتحى خضير يعلم تماما العراقيل التى تواجه الوقف الخيرى حاليا، برغم أنه حين قدم مشروعه لعمادة كلية طب قصر العينى كان من ضمن ما قدم هو إقامة وقف للطلاب، كان التفكير هو إنشاء وقف، يساعد هؤلاء الطلاب، بجانب توزيع منح عليهم، ومكافآت للمتفوقين منهم، للأسف لم يتم ذلك، إلا بعد فترة من وجودى فى العمادة، وذلك على يد المهندس شريف الزيات، حيث عرضت الفكرة على العديد من الناس، لم يتحمس له أحد لغياب الثقافة سوى المهندس شريف، ذلك أنه كان يرغب فى عمل الخير بأى شكل، وكان الشكل الذى يتمناه هو العلم، ومساعدة الطلبة فيه، خاصة فى أمراض الدم، كون والده كان رائدا فى هذا العلم. تم الاقتراح بأن تكون وقفا ولكن على شكل ودائع فى البنوك، ويكون الهدف الأسمى هو مساعدة الطلاب ومنحهم ما يحتاجون من أجل إنجاز أبحاثهم، على أن يتطور ويتم منحهم سفرا إلى الخارج لمزيد من التعلم والحصول على أعلى الشهادات، شرط أن يعودوا إلى مصر ويتعهدوا بالعمل فى مستشفيات الدولة.
نظام الترست فى العام 2014تم إرسال د. فتحى إلى إنجلترا لأخذ دورة تدريبية عن نظام الصحة هناك، وفى 2016 طلبت لجنة الصحة بمجلس النواب الاستماع إلى رؤيتى فى نظام الصحة بانجلترا، قلت لهم إن كل مستشفيات بريطانيا قائمة على الوقف أو « الترست» خاصة أن إنجلترا بعد الحرب العالمية الثانية، ومرورها بمآس عديدة فى مجال الصحة تحديدا، أصدر البرلمان وقتها إعلانا بأن تكون كل مستشفيات بريطانيا وقفية. لكن رد اللجنة وقتها أن الدستور المصرى ينص على أن ملكية المستشفيات العامة لا تمس، وعليه فنحن لسنا فى حاجة إلى هذا الإعلان أو الوثيقة بأن تكون مستشفياتنا وقفية، قلت لهم: إن الموضوع ليس قانونيا بل سياسيا، فحين يصدر عن المجلس مثل هذه الوثيقة بأن تكون مستشفياتنا وقفية لا تعارض مع القانون أو الدستور، فبريطانيا دولة غنية، ومع ذلك لا تستطيع الإنفاق على الصحة، ففتحت باب الوقف ليساعدها فى تقديم هذه الخدمة، ومطلوب إعادة هذه الثقافة، وإحيائها لدى الشعب، ولكن أغلق الموضوع، ومعه أغلق باب أمل آخر.
الوقف يختلف عن التبرع سألت الدكتور محمد هاشم أستاذ الاقتصاد الإسلامي، بالجامعة البريطانية، هل من الممكن عودة الوقف الخيري، وهل من الممكن أن نقوم باستثمار هو استغلاله مثل أوروبا وأمريكا؟ أجاب: بالطبع ممكن جدا، شرط أن تتوافر الإرادة السياسية، سواء من خلال مجلس النواب أو الحكومة، وعلينا أن نفرق بين إحياء الوقف بشكله الجديد، أم إحياء القديم، بالنسبة للوقف القديم لا أحد يمتلك معلومات أو حصرا له. الوقف فى أبسط تعريف له، هو أن شخصا يريد أن يعيد للمجتمع ما استفاد منه، ودائما العطاء ينتهى بانتهاء الشخص أو بانتهاء قدرته على هذا العطاء، على عكس الوقف، فهو ممتد ولا ينتهى بانتهاء الشخص، ويتم إنشاء مجلس وقف للفكرة، والمجلس له شروط واضحة من حيث تعييناته واختياراته، ومن يتولى هو إدارته، يكون هو ناظر الوقف، ومن جانب آخر فإن الوقف يختلف عن التبرع، إذ إنه يعظم من قيمة المال الذى تم وقفه، بينما التبرع يكون لمرة واحدة، ولا ينتهى الوقف بانتهاء الشخص، بل يتم استثمار المال وتعظيمه، وبالتالى يكون دائما هناك تدفقات مالية تضمن سير العمل الذى تم وقف المال له، على سبيل المثال إذا أرد أحد بناء مدرسة فإنه غالبا يقوم بالبناء والتجهيز وتعيين الأعداد المطلوبة للتشغيل، لكن دائما ما نجد أن هذا العمل لا يكتمل، لأنه لا توجد تدفقات مالية مستمرة وبالتالى تتوقف الخدمة، فإذا كان موجودا على سبيل المثال وديعة لهذا العمل، فإن الوديعة ثابتة والفائدة السنوية هى التى تقوم باستمرار العمل، وهناك مجلس أو ناظر الوقف يتابع الإنفاق فى مساراته الطبيعية، وقنواته الشرعية، لأن هناك ما يسمى وثيقة الوقف، هذه الوثيقة من يحددها هو صاحب المال، وناظر الوقف هنا دوره متابعة ما اشترطه صاحب الوقف فى وثيقته. الوقف من أعظم الأفكار ولا شك كما يشير د. هاشم إلىأن الوقف كفكرة من أعظم الأفكار، ولكن ما يحيطه من تنفيذ ودعاية وتسويق أهم، وهى فكرة غائبة عن الكثير فى المجتمع المصري، ذلك أننا لا نرى جامعة أو مدرسة أو مستشفى وقفيا، وعليه هنا لا أحد يعرف قيمته ودوره، والمصريون لم يحجموا عن الوقف، المصريون لم يجدوا وقفا حتى يقوموا به بالأساس، فالوقف سيكون له دور كبير جدا فى إنعاش الاقتصاد المصري، من صناعة وتجارة وتصدير وجامعات وغيرها . سألته وهل هناك فرق بين الوقف والزكاة والتبرع؟ أجاب: الوقف يعنى الاستثمار والنمو والزيادة، أى لا يتوقف، فيستمر إلى ما شاء الله، فجامعة هارفارد منذ تأسيسها عام 1636 مستمرة حتى الآن، ونجاح هارفارد وغيرها مرتبط بقانون صارم جدا، فإذا لم تعرف الدولة والمجتمع أين أنفقت الأموال، فلن تسمح لها بتلقى هذه الأموال، حتى لو كان التبرع سريا، فإن البنوك تحتفظ بأسماء من يتبرع، أما الزكاة فهى واجب شرعي، سواء زكاة المال أو زكاة الفطر أو زروع أو غيرها، ولها مصادر معروفة ومصارف محددة،أما التبرع فهى الصدقات البعيدة عن الزكاة، لكن الفرق هنا بينه وبين الوقف أن التبرع ينتهى بوقته بينما الوقف ممتد ولا ينتهي، فإذا كان هناك مكان يتلقى تبرعا وتوقف هذا التبرع، يتوقف بعدها هذا المكان. والوقف أيضا يختلف عن الجمعيات الأهلية،فحتى لو كانت الجمعيات تقوم بعمل خيرى وتتقاضى مقابل ما تقدمه فهى خرجت عن نطاق الوقف وفكرته، كما أن الوقف يختلف عن المسئولية المجتمعية للشركات، لأن لها أهدافا أخرى غير الوقف. وعلينا ألا ننسى أن الوقف علاقة لا تنتهي،أما ما دونها فهى علاقات تنتهى، تبرع أو زكاة أو مسئولية مجتمعية، أما الوقف فهو لا يسمح بأى ترهل، هو واضح جدا فى إدارته، وعوامل نجاحه، وأسباب فشله، وطرق استمراره. فكرة الترست سهل جدا أن نقوم بها فى مصر، خاصة أن القطاع المصرفى ناجح جدا فى مصر، والترست له شكل قانونى يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
كيف تنشئ وقفا خيريا؟ ...................................... سألنا الشيخ جابر طايع وكيل وزارة الأوقاف عن كيفية إنشاء وقف خيرى خاص، فقال: إن إنشاء الوقف الخيرى يكون عن طريق وزارة الأوقاف، أما هيئة الأوقاف فهى التى تدير الوقف، فلدى وزارة الأوقاف ضوابط وشروط للوقف ينبغى توافرها، ولا ينبغى للفرد أن يدير الوقف الخيرى بنفسه، بل يكون من خلال الوزارة ثم الهيئة.