الدبلوماسية الناعمة حرفة متميزة وتوجه ثابت انتهجته مصر منذ سنوات عصية على الحساب والتقدير. حرفة تعنى أن الدبلوماسية هى السياسة حين تحمل قدرا من الثقافة والتحضر، وتخص مصر بأداء منفرد. حرفة ظهرت واضحة فى فعاليات الدورة الأولى لمهرجان منظمة التعاون الإسلامى «أمة واحدة وثقافات متعددة.. فلسطين فى القلب» التى بدأت فى الخامس من فبراير و لمدة خمسة أيام. كانت مصر أول من يطلب استضافتها فى أثناء انعقاد مجلس وزراء الخارجية الخامس و الأربعين فى دكا عاصمة بنجلاديش، لتكون أحداثها الثقافية أول الغيث بحسب تصريح د. يوسف أحمد العثيمين الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى، فالدين الحنيف لايتعارض مع الثقافة والأدب وتراث الشعوب. قضايا عامة رؤى متعددة طرحتها مصر، منها قضايا الأدب المعاصر فى العالم الإسلامى حيث أيد الناقد د. أحمد درويش الوجود الفعلى للنظرة الإسلامية الواسعة، فتراث الأدب الإسلامى خليط مدهش من جنسيات مختلفة. فسيبويه لم يكن عربيا، وكذلك الجرجانى و البخارى و الزمخشرى، ولكنهم كانوا عربا بالمعنى الثقافى. أكسبت العربية آداب الشعوب الإسلامية معنى خاصا باعتبارها الحاضنة للغة القرآن الكريم، وظلت هى اللغة التى يكتب بحروفها 70 لغة فى العالم الإسلامى حتى عام 1924، موصيا بتدريس اللغة العربية. فالحرف العربى هو الحديقة الخلفية لإقامة نوع من التضامن بين أداب الشعوب الإسلامية. وهناك ثقافة وتراث مشترك، لابد من إلحاقهما بحركة ترجمة منتظمة لتتعارف الشعوب بالإضافة إلى رعاية دورات سنوية تحمل أسماء أعلام الأدب، لنحول ثقافة العولمة إلى عولمة الثقافة. فقد كانت لغتنا العربية هى اللغة الرسمية خاصة فى فلسطين قبل عام 1948 كما يضيف الباحث الفلسطينى د. محمد بكر البوجى حتى فرض الاحتلال اللغة العبرية. فهم يشيعون أن القدس عاصمة إسرائيل منذ 3000 عام، رغم أنه ليس لهم أثر واحد فى القدس أو فلسطين. والفكرة هى كيف يمكننا تفادى الولع بثقافة الغرب، و نحن فى الأساس أصحاب الثقافة الإسلامية السباقة للعولمة لكون القرآن الكريم كتابا أنزل للبشرية جمعاء. والمطلوب هو التوحد سياسيا وتجاريا وثقافيا. فحالة التشرذم التى يعيشها العالم الإسلامى تحرمنا من أدوات التحدى والتواصل المشترك. فأخطر مصطلح الآن هو الشرق الأوسط وهو بديل عن القضية الفلسطينية مقترحا أن يكون لكل الدول الاسلامية موقف موحد من الدول التى تنقل سفارتها إلى القدس. حديث استكملته ندوة القدس بتأكيد خليل تفكجى رئيس قسم الخرائط بالقدس ضرورة وضع استراتيجية عربية إسلامية شاملة لمواجهة مشاريع الاحتلال التى جعلت نحو 87% من اليهود يسيطرون على البلدة القديمة، فى حين تحدث نجيح بكيرات مدير التعليم بالقدس عن تناقص أعداد الطلبة الفلسطينيين بعد أن أصبحت الصهيونية مشروعا يطبق على الأرض. أما محمد إقبال الشاعر و السياسى فكان محور اختيار د. يوسف عبد الفتاح كنموذج للمفكر المسلم الذى نظر إلى الشرق المشتت المفتون بحضارة الغرب مجيبا عما ينبغى علينا فعله و مشيرا إلى ضرورة عودة المسلمين إلى ذاتهم كطريق وحيد للنجاة. التنمية المستدامة تأتى التنمية كهدف كبير يتحقق عبر تحسين مستويات الإنتاج فى العالم الإسلامى كما يقول د. أحمد جلال وزير المالية الأسبق، إذا ما أوجدنا ظروفا مناسبة لتحسين بيئة الإنتاج وعدالة تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعائد النمو. فإذا أردنا تنمية مستدامة فلابد من مراعاة الجانب البيئى والارتباط بالعدالة الاجتماعية، وهو منطق براجماتى يعود بالنفع ويدفع الضرر. ويشير د. أحمد زايد عالم الاجتماع إلى ضرورة استمرار قيم العدالة الاجتماعية ، ووجود رؤية تنموية واضحة بقيم واحدة و منظومة واحدة لا خلل فيها تجمع كل أطراف المجتمع. فالمشروع التنموى لابد أن يتم حراسته من كل أشكال التداخل منبها إلى أن البنية السكانية مهمة فى حسابات التنمية، وهو ما يعنى الحد من الزيادة السكانية مع تطوير البشر حتى لا تهدر كل عمليات التنمية. كما أن مشكلة عدم تماسك الطبقة الوسطى، وغلبة النمط الاستهلاكى، ورؤية المستقبل فى الماضى، وعدم وجود الثقة يفسد العملية التنموية. التنمية لابد أن تكون مستمرة صاحبة رؤية عادلة، مع وجود الثقة، و توازن الطبقة الوسطى والقدرة على التعامل مع العولمة. إسلاموفوبيا مازالت هى القضية المؤرقة للعالم الإسلامى فتناول د. محمد محق سفير أفغانستان أهمية التعليم فى تكوين الشخصية لنشر قيم العدالة والتسامح و الوسطية وهو ما حققه المسلمون الأوائل، فى حين اعتبر د. محمد عبد الفضيل منسق عام مرصد الأزهر أن المشكلة تكمن فى مساهمة اليمين المتطرف وبعض البرامج الإعلامية فى مقابل تقصير من بعض المؤسسات الإسلامية، ليعلق د. بشير الأنصارى مدير إدارة الحوار والتواصل بمنظمة التعاون الإسلامى على تضاعف الكراهية بنسبة زادت خمس مرات عن السابق فى المجتمعات الغربية. تعددية ثقافية أما الملتقى الأول لشباب الدول الإسلامية فدار حول دورهم فى مكافحة التطرف و نشر الاعتدال حيث يشكل الشباب نسبة كبيرة من المتطرفين الذين ينبغى خروجهم من هذا المعسكر فى اتجاه الحوار و الفهم الجيد لصحيح الدين. أحداث و فعاليات تبنتها مصر بكامل وزارات قوتها الناعمة لتعبر كما يقول د. مصطفى الفقى عن التعددية الثقافية مطالبا بتوسيع العضوية بالمنظمة التى تضم 57 دولة فى وجود عدد من التحديات منها الحصار الإعلامى حول المسلمين و تنامى التطرف. توضيحات و اجتهادات قد تمنح نقطة توازن و تكامل لضمها رؤى العالم الإسلامى وعودة لدبلوماسية ناعمة و ثقافة حاضرة وسطية، والأهم أن تترجم إلى واقع يعيشه عالمنا الإسلامى.