قد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب. ان الذين لايتاجرون بمظهر الحب، ينمّى الحب فى أعماقهم قوة ديناميكية رهيبة.. ما هذا الذى اكتبه، إنى لا أعرف ماذا أعنى به! ولكنى أعرف انك محبوبى، وأنى أخاف الحب، أقول هذا مع علمى بأن القليل من الحب كثير..الحمد لله انى اكتبه على ورق ولا أتلفّظ به، لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام.. هكذا كتبت الأديبة الحائرة مى زيادة من القاهرة عام 1924. تقولين إنك تخافين الحب! لماذا تخافينه؟ أتخافين نور الشمس؟ أتخافين مدّ البحر؟ أتخافين طلوع الفجر؟ أتخافين مجىء الربيع؟ لماذا يا تُرى تخافين الحب؟ لا تخافى الحب يا رفيقة قلبى، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة.. هذا ما قاله جبران خليل جبران لمحبوبته مى حتى ينزع عن قلبها وشاح الخجل! ورغم مرور كل تلك العقود المتلاحقة فمازالت رسائل مى وجبران انعكاسا لأسمى مشاعر الحب، لكن التطور الطبيعى للمشاعر الباردة قد حول الاحتفال العالمى ب «الفالنتاين» الى عاصفة حمراء تغزو الشوارع والمحال ما بين ورود وهدايا ودباديب جميعها جافة بلا احساس، وبالتدريج وصلنا الآن الى الحب الرقمى الذى لا يكلف أصحابه إلا النزر اليسير من المنشورات والكثير من الإعجاب وبعض الرسائل الثلجية! فقد تحولت الأحاسيس بفعل عوامل التعرية التكنولوجية الى حروف خالية الدسم، والأنكى أن تحول المحبوب الى كراش منزوع الخجل! أى طلب صداقة فاستجابة فإعجاب فتعليق ثم رسالة خاصة وتبدأ رحلة اقتناص ال»لكراش» ومتابعته وكأنها قرصنة عاطفية من قلب لآخر من ذكر لأنثى والعكس وما ان وقع الكراش فى الفخ انتهت النشوة وأصبح البحث جاريا عن آخر على قارعة السوشيال ميديا بلا حياء! وبعد أن أسس الشاعر نزار قبانى دولة للعشق تكون محبوبته المليكة فيها، وبعدما تغنت الست أم كلثوم بكلمات الشاعر السودانى الهادى آدم: انت يا قبلة روحى وانطلاقى وشجونى وكأن القلب يصلى صوب بوصلة المحبوب، أين نحن الآن من تلك المعانى العميقة؟ لقد وقعنا جميعا فى فخ الشبكة العنكبوتية كفريسة هلامية! فقد كنت أزعم أن الحب لا يحتاج الى يوم للاحتفال به فكل لحظة بين المحبين عيد يكسوهم بالغبطة المتناهية ويفرز لديهم هرمونات السعادة المتأججة، أما الآن فأحمد الله أن القديس فالنتاين أسس لهذا اليوم وإلا كان سينقضى العام دون أن تتفتح زهورنا الحمراء وسط غمار الحياة الافتراضية المتكدسة بالاستسهال والاسترخاص فقد تستيقظ هذا اليوم لتجد صندوق رسائلك متضخما بالرسائل والأغانى من أشخاص ربما لامكان لهم بقلبك وفى أحسن الأحوال قد تحاول الاستفادة من هذا الزخم المزيف لتلتقط بعض الرسائل المميزة ثم تلقيها فى صندوق رسائل من تحب وربما تتذكر أن عليك الاستعانة ببعضها لزوجتك أو خطيبتك بضغطة زر واحدة حتى لا يتحول اليوم الى جحيم! كل عام وأنتم الحب..ولكن أين الحب؟ لمزيد من مقالات د.هبة عبدالعزيز;