إذا كانت العزلة التى تعرضت لها سيناء، وفرضت عليها أحيانا، وواجهتها فى كل الأحوال لأسباب جغرافية، قد لعبت دورا سلبيا فى تراجع التنمية بين ربوعها، فإن لهذه العزلة جانبا آخر أفاد الجانب الثقافى والتراثي، فقد لعبت «العزلة»، دورا مهما فى الحفاظ على التراث دون أن يتعرض للطمس او الاندثار، وتجسد ذلك فى الحرف اليدوية وخاصة أشغال الإبرة وأعمال «التطريز»، التى تميزت بها المرأة ومنها «الزى السيناوي». هذا هو موضوع كتاب «دليل التطريز السيناوي» لخبير التراث والحرف اليدوية كمال عبدالله الحلو، الصادر عن صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة، وينقسم إلى ثلاثة فصول، الأول يستعرض الوظيفة الاجتماعية للتطريز، والعناصر الأساسية لهذا الفن، والثانى يتناول الوحدات الزخرفية، والعروق، والحواجز، بينما يضم الأخير تصميمات للوحدات الزخرفية السيناوية وتوظيفها على الملابس، إضافة الى المستلزمات والمكونات الخاصة بإكسسوارات الزي، والديكورات المنزلية. يشير الباحث إلى أن سيناء تتميز بتراث خاص لها عن باقى المحافظات، بسبب ظروفها التاريخية والجغرافية، فقد وفدت اليها قبائل بدوية هاجرت، قبل الفتح الاسلامى من الجزيرة العربية وبعد الفتح، واستقرت بها، وجاءت بعاداتها وتقاليدها وأعرافها وتراثهاالفنى المتميز وسكنت الصحراء، فضلا عن بعض الهجرات الأخرى التى وفدت على المنطقة وسكنت المدن. ويضيف الحلو، أن المراة فى شمال سيناء، اهتمت منذ القدم وحتى اليوم، بتزيين نفسها من خلال ثوبها وغطاء رأسها ومسكنها، لإضفاء مسحة من الرونق والجمال على نفسها وعلى مسكنها. الطبيعة فى لوحة بالإبرة ابتكرت المرأة فى سيناء، عروق التطريز بنفسها، ويتجسد جمال هذا التطريز فى تزيين الثوب الذى ترتديه المرأة، لكى تجعله لوحة فنية رائعة الجمال بوحداته الزخرفية وألوانه الزاهية، واستوحت هذه العروق من البيئة المحيطة بها. وعلى مدى أجيال، اضفت المرأة بشمال سيناء على هذا التطريز طابعا يميزها عن باقى محافظات الجمهورية، وهو يعتبر جزءا مهما من التراث فى سيناء. وحول ثقافة الحرف اليدوية لقبائل سيناء وخاصة قبيلة السواركة، والرياشات، والترابين، والرميلات، يطوف بنا الحلو بين ثنايا الحقب والأزمنة، ويأخذنا الى الأرض والسكان فى العريش وبيئات المدن الساحلية، وتاريخ التطريز من آلاف السنين، ولمحة عن التطريز، وطريقة عمل الغرز، والوظيفة الاجتماعية للتطريز التى باتت إحدى سمات سيناء الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ويكشف خبير التراث عن أنه لا توجد سيدة أو فتاة فى سيناء لاتعرف التطريز، فالمرأة السيناوية الأكثر قربا من الإبرة، ويقترب التطريز السيناوى من مثيله فى فلسطين، إلا أن التراث السيناوى ظل محتفظا بسماته وشخصيته وتفرده، وألوانه حسب أصول زخارف التطريز وعناصره الأساسية. الثوب الأكثر التصاقا بالشخصية يرى الحلو، أن الثوب أكثر التصاقا بشخصية صاحبته التى ترتديه فى سيناء، فإن طول الثوب، وثقل الذيل الناتج عن كثافة التطريز، لم يأتيا مصادفة، ولكن له فائدة وظيفية، فهو يغطى قدم المرأة أو الفتاة التى ترتديه، وهذه الوظيفة هى من أهم السمات الاجتماعية والثقافية للمرأة فى سيناء، وتتمثل فى الاحتشام للحفاظ على كرامة المرأة، وحماية كيانها، فضلا عن اعتباره مصدرا للدخل للراغبات فى فن وأعمال الإبرة والتطريز. وحول فلسفة الألوان، يوضح أن اللون الأسود يدل على الوقار، كما تكشف الألوان وتفصح عن المراحل العمرية، والحالة الاجتماعية للمرأة أو الفتاة، وتظهر ما إذا كانت المرأة متزوجة، أو فتاة، أو مسنة، أو أرملة فى حالة عزاء. كما يعطى التطريز للثوب ثقلا، حيث يمنح المرأة التى ترتديه سمات الحشمة والوقار، كما يمنع التطريز انحسار الثوب، ويثبت حركته فى الهواء، وأيضا فى أثناء السير فى الصحراء. كما يفصح الثوب أيضا عن القبيلة التى تنتمى إليها المرأة، من خلال مستلزمات الثوب السيناوي. خبير التراث والحرف اليدوية كمال عبدالله الحلو، من مواليد العريش بشمال سيناء، أسس، ورأس مجلس إدارة العديد من الجمعيات الأهلية، أهمها «جمعية متحف التراث السيناوي»، وجمعية التدريب والإنتاج لزيادة دخل المرأة، وجمعية الأسر المنتجة، وعضو مجلس أمناء أياد مصرية، ومستشار لجنة وضع أسس دمج الجمعيات الأهلية المعنية بمجال الأعمال اليدوية. صدر له كتاب «القضاء العرفى فى شمال سيناء، و«موسوعة» التراث السيناوى»، كما حاز جائزة الأدب بمدن قناة السويس العام 2011.