من أبرز ظواهر الخطابات الدينية، خطاب دعاة السوق، أو دعاة المولات أو الدعاة الجدد، أو دعاة السوبر ماركت وفق تسمية وائل لطفى لكتابه الثانى حولهم. هذا الكتاب يتناول واحدة من أهم ظواهر الحالة الدينية المصرية، والتى تتمثل فى ما أطلق عليه الدعاة الجدد، وهو نمط من الدعاة والخطاب الدعوى الذى برز منذ عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، واستمر فى العقد الأول من الألفية الجديدة، وهو ما يختلف عن ظاهرة أخرى برزت فى ذات الفترة التاريخية التى سبق أن أطلقنا عليها الإسلاميين المستقلين عن المنظمات الإسلامية السياسية الأيديولوجية السائدة التقليدية أو الراديكالية أو المؤسسة الإسلامية الرسمية، من حيث هامش الاستقلالية النسبية، إلا أن ثمة بعضا من أشكال التداخل الخطابى بينهم، وبين بعض خطابات هذه الأطراف فى المجال الدينى. ظاهرة الدعاة الجدد تبدو بها بعض التمايزات وهى التى خصص لها الكاتب الصحفى المتميز وائل لطفى كتابه الأول الذى نال عنه التقدير وجائزة الدولة التشجيعية. دعاة السوبر ماركت والأحرى دعاة المولات هى ظاهرة تتسم بالجدة، لأنها تشكل فى بعض وجوهها خروجا على الأنماط التقليدية للدعاة والدعوة الدينية التقليدية والمستمرة، سواء لدى نمط الدعاة الرسميين للمؤسسة الدينية الأزهرية، أو نمط الدعاة الذى شاع لدى الحركة الإسلامية السياسية، من حيث الخطاب وموضوعاته وأسلوبه ونمط المحاججة داخله والمخاطب. هو خطاب موجه لما يطلق عليه البرجوازية المدينية فى رأى بعض الباحثين، ويخاطب هموم هذه الفئات وشواغلها النفسية والإيمانية، ومن ثم هو خطاب مدينى، ولكن به بعض الترييف. ومن خلال لغة بسيطة يتحقق من خلالها الاتصال والتفاعل. خطاب يركز على الجوانب التطهرية، وليس الزجر أو الإيلام أو التأثيم للسلوك الاجتماعى لمتلقى أو مستهلك هذا الخطاب. هو خطاب يسعى لإحداث حالة من السلام الذاتى أو الروحى للمتلقى، حالة من التوازن الداخلى، لا يركز على الذنوب أو الآثام، وإنما يسعى للتحرر منها، أو الغفران، وتجاوزها، على عكس خطاب الأصوليات الدينية التقليدية أو السياسية أو الراديكالية التى تركز على الذنوب والآثام وثنائيات الحرام والحلال، والتى ترمى إلى السيطرة والهيمنة السياسية، سواء للحشد التعبوى، أو التجنيد لعضوية هذا التنظيم، أو ذاك. وسرعان ما تجبر مشكلات الحياة ومصاعبها وتعقيداتها وأزماتها المسلم العادى إلى العودة إلى مقارفة الذنوب والخطايا التى يدفعه الآخرون أو نوازعه والظروف إلى ممارساتها. خطاب الدعاة الجدد أو خطاب دعاة المولات، أو دعاة السوبر ماركت كما أطلق عليهم وائل لطفى خطاب لا يسعى فى ظاهره للتجنيد السياسى والتنظيم لجماعة ما أو تنظيم محدد، تحت إطار خطاب سياسى دينى السند والتأويل واللغة، وإن كان هذا الخطاب يحرث الأرضية الاجتماعية لبعض الفئات الوسطى الوسطى، والوسطى العليا، لكى تناصر فى مرحلة ما، بعض الخطاب الدينى السياسى لجماعات الإسلام السياسى كما عرفنا خلال المراحل الماضية. هو خطاب تمهيدى، يحرث الأرضيات الاجتماعية للفئات الوسطى, الوسطى المدينية، وهو ما استفادت منه بعض المنظمات الإسلامية السياسية. هذا الخطاب يبدو شكليا انقطاعا عن خطاب الإسلام السياسى عن الدولة الإسلامية، ونظام الشريعة، والخلافة إلى التركيز على الجوانب القيمية للإسلام. خطاب وشكل دعوى مستمد من القيم وتقاليد الوعظ البروتستانتية، والتى ركزت على المبادرة الفردية، والنجاح الفردى فى الحياة. إن الأصول البروتستانتية، فى نمط وشكل الدعوة، لدى نمط دعاة المولات، أو دعاة «السوبر ماركت» تبدو واضحة فى تأثر بعض هؤلاء الدعاة بها، من حيث عدم ارتداء الزى التقليدى لرجال الدين، وإنما الزى الذى يرتديه متلقى الخطاب ومن خلال ذات اللغة العادية. من ناحية أخرى ركز هؤلاء الدعاة على الشرائح الجيلية الشابة، وعلى إذكاء الحوافز الفردية وأن الثراء ليس مجافيا للإيمان الحق بالله، مادام يؤدى الشخص الفرائض والحسنات، وذلك دون مساءلة وبحث فى مسألة شرعية الثروة ومراكمتها. خطاب ونمط من الدعاة جاءوا من قلب عمليات التحول إلى المجتمع الاستهلاكى ونظام السوق وفق باتريك هانى- الذى تمدد إلى السوق الدينى الدعوى والإفتائى.. إلخ، وإلى دخول منطق السوق إلى الدعوة والافتاء، ونظام الزى، واللغة اليومية الذى تم تديينه، مع سعى الفئات الوسطى العليا، إلى نمط من الزى المحتشم لكن من خلال علامات بيوت أزياء كبرى، أو نوعية تبرز الفوارق الاجتماعية مع الفئات الأدنى الأخرى. الكتاب وجيز، ومهم، ويشكل استكمالاً لكتاب الكاتب الأول، والكاتب يمتلك لغة تتسم بالوضوح والرشاقة والسلاسة. من ناحية أخرى يحُمد لوائل لطفى الجدية، والعين البصيرة فى التقاط الظواهر الاجتماعية والمدينية الجديدة التى ظهرت فى المجتمع المصرى منذ عقد التسعينيات وإلى الآن. لمزيد من مقالات ◀ نبيل عبد الفتاح