ليس أدل على انحيازية الإعلام الغربى من ذلك الذى حدث فى المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده الرئيسان عبد الفتاح السيسى وإيمانويل ماكرون فى ختام زيارة الأخير لمصر والذى تركزت فيه جميع أسئلة الصحفيين على موضوع واحد فقط هو حقوق الإنسان، فالسؤال عن وضع حقوق الإنسان فى مصر، أو فى أى دولة أخرى مثل فرنسا نفسها أو الولاياتالمتحدة أو بريطانيا، هو سؤال مشروع، وهو يستوجب الرد بلا شك، ولكن ألا يهتم الصحفيون بأى موضوع آخر من الموضوعات الحساسة التى بحثت خلال الزيارة، أو بأى من الاتفاقيات المهمة التى وقعت بين الجانبين، فذلك يثير الكثير من الشكوك حول موضوعية الإعلام الفرنسى بل ومهنيته. إن هناك من الموضوعات التى تطرقت إليها مباحثات الرئيسين ما يثير اهتمام المواطنين فى البلدين، والتى كان ينتظر أن يسأل الصحفيون رئيسى البلدين حول تفاصيلها التى مازال بعضها غير معروف حتى هذه اللحظة، فهل صحيح على سبيل المثال أن هناك صفقة طائرات حربية جديدة من طراز رافال الفرنسية؟ وهل صحيح أن الصفقة تضم 12 طائرة؟ وهل صحيح أن بعض قطع هذه الطائرات تصنع فى الولاياتالمتحدة؟ وهل صحيح أن الولاياتالمتحدة رفضت تسليم تلك القطع مما عطل تنفيذ الاتفاق؟ هناك الكثير من مثل هذه الأسئلة التى توقعت أن يتم استجلاؤها خلال المؤتمر الصحفى للرئيسين لكن أحدا لم يسأل عنها. لقد استفسرت من أحد العاملين فى مجال تصنيع الطائرات وهو الفرنسى چيل دويه كبير مهندسى شركة cfm العاملة فى مصر، عن مدى صحة أن أجزاء من طائرة الرافال الفرنسية تصنع فى الولاياتالمتحدة، وهو ما بدى لى غريبا بعض الشيء، لكنه أوضح لى أن صناعة الطائرات بشكل عام هى صناعة دولية فى معظمها، وضرب لى مثلا بطائرات الركاب بوينج الأمريكية الشهيرة، والتى قال إنها تصنع من قطع تكاد تأتى من جميع دول العالم العاملة فى هذا المجال، لكن يبقى السؤال حول صفقة الرافال المذكورة هل تمت أثناء الزيارة أو لم تتم؟ وهل صحيح أن واشنطن هى التى أوقفتها؟ لقد تضمنت الزيارة توقيع 40 اتفاقية فى مختلف المجالات وصلت قيمتها الى أكثر من مليار ونصف المليار يورو، فى الوقت الذى أعلنت بعض كبريات الشركات الفرنسية عزمها زيادة استثماراتها فى مصر خلال الفترة المقبلة فى العديد من المجالات الاقتصادية، ونشرت الصحف فى مصر أن أنيس بانيه روفاشيه سكرتيرة الدولة بوزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية أكدت أن مصر نجحت فى توفير البيئة المناسبة لجذب المستثمرين الأجانب، موضحة أن هناك 160 شركة فرنسية تعمل الآن فى مصر باستثمارات تصل الى 5 مليارات يورو، وكان عمرو نصار وزير التجارة والصناعة قد صرح بأن إجمالى الصادرات المصرية للسوق الفرنسية خلال الفترة من يناير وحتى نوفمبر من العام الماضى قد بلغت نحو 560 مليون يورو بزيادة أكثر من 7% عن نفس الفترة من العام السابق، بينما بلغت قيمة الواردات الفرنسية للسوق المصرية أكثر من مليار ونصف المليار يورو، ليصل إجمالى حجم التبادل التجارى بين مصر وفرنسا فى 2018 إلى أكثر من 2مليار يورو، فهل مثل هذا الحجم من التعامل يستدعى التجاهل الذى لاقاه من الصحفيين فى المؤتمر الصحفى المشترك؟ يلاحظ أيضا أن حجم الاهتمام بقضية حقوق الإنسان فى المؤتمر الصحفى لا يتناسب مع الحجم الذى لاقته القضية خلال مباحثات الرئيسين، وكان الخبير الاقتصادى الفرنسى سباستيان لاى الباحث فى معهد توماس مور قد نصح ماكرون فى لقاء له مع صحيفة لوبينيون، بأن يتوخى الحذر فى الحديث عن بعض الأمور التى يسعى البعض لإحراج مصر بها، وأن يبتعد عن التدخلات فى السياسة الداخلية لبلد كبير بحجم مصر فى الشرق الأوسط، موضحا أن فرنسا ليست فى وضع يسمح لها بإعطاء الدروس حيث شهدت 3 ثورات وأقامت 5 جمهوريات ومع ذلك مازالت ديمقراطيتها ناقصة، فى نفس الوقت هاجم السياسى الفرنسى المعروف جان لوك ملنشون الذى نافس ماكرون فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، سياسة الحكومة الفرنسية تجاه مظاهرات السترات الصفراء وسوء إدارتها للأزمة وتعديها على حقوق الإنسان، قائلا إن هناك 1800 متظاهر أصيبوا خلال الأسابيع ال12 الأخيرة، وألف رجل شرطة، كما سقط 11 متظاهرا قتيلا برصاص الشرطة، وقال إن ذلك أسوأ ما مر على فرنسا خلال ال60 عاما الأخيرة. وقد رد ماكرون فى المؤتمر الصحفى على الأسئلة التى وجهت له فى هذا الشأن بهدوء وكان رده معقولا، وكذلك كان رد الرئيس السيسى الذى أوضح أن حقوق الإنسان لا تقتصر على حرية التعبير وحدها، ولا يمكن اختزال بقية الحقوق التى نص عليها الإعلان الدولى لحقوق الإنسان فى حق واحد فقط، فإذا توافرت قيل إن الدولة تراعى حقوق الإنسان، واذا لم تتوافر وصفت الدولة بأنها تنتهك تلك الحقوق، وقد أفاض الرئيس فى شرح ما حققته الدولة المصرية فى مجال حقوق الإنسان فقال إن الرعاية الصحية هى أيضا من حقوق الإنسان، وقد كان عدد من يتم علاجهم فى الماضى عشرة آلاف مواطن فى السنة فأصبح العلاج يشمل الآن عشرة آلاف فى الشهر الواحد، كما أن حملة علاج فيروس سى التى أنجزتها مصر فى العام الماضى كانت الأنجح على مستوى العالم، وتحدث أيضا عن الحق فى المسكن، وقال إن الدولة تمكنت فى الآونة الأخيرة من نقل 250 ألف عائلة من أماكن ايوائهم غير الآدمية فى عشوائيات المدينة الى 250 ألف شقة سكنية مفروشة، لكنى بحثت بعد ذلك فى الصحافة الفرنسية عن هذه المعلومات فلم أجدها. لمزيد من مقالات محمد سلماوى